عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ، شَبَّهَ طَلَبَهُ أَدَاءَ مَا يَعْسُرُ عَلَيْهِ بِحِمْلِ الشَّيْءِ الثَّقِيلِ عَلَى مَنْ لَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ حَمْلُهُ.
ومِنْ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ مُثْقَلُونَ مِنْ أَجْلِ مُغْرَمٍ حُمِلَ عَلَيْهِمْ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ مَا كَلَّفْتَهُمْ شَيْئًا يُعْطُونَهُ إِيَّاكَ فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْكَ تَخَلُّصًا مِنْ أَدَاءِ مَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ، أَيِ انْتَفَى عُذْرُ إِعْرَاضِهِمْ عَن دعوتك.
[٤١]
[سُورَة الطّور (٥٢) : آيَة ٤١]
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١)
هَذَا نَظِيرُ الْإِضْرَابِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ [الطّور: ٣٧] ، أَيْ بَلْ أَعِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ مَا يَجِدُونَهُ فِيهِ وَيَرْوُونَهُ لِلنَّاسِ؟! أَيْ مَا عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ حَتَّى يَكْتُبُوهُ، فَبَعْدَ أَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ إِنْكَارَهُمُ الْإِسْلَامَ بِأَنَّهُمْ كَالَّذِينَ سَأَلَهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْرًا عَلَى تَبْلِيغِهَا أَعْقَبَهُ بِرَدٍّ آخَرَ بِأَنَّهُمْ كَالَّذِينَ اطَّلَعُوا عَلَى أَنَّ عِنْدَ اللَّهِ مَا يُخَالِفُ مَا ادَّعَى الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْلَاغَهُ عَنِ اللَّهِ فَهُمْ يَكْتُبُونَ مَا اطَّلَعُوا عَلَيْهِ فَيَجِدُونَهُ مُخَالِفًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا قَالُوا: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطّور: ٣٠] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ أَيْ حَتَّى عَلِمُوا مَتَى يَمُوتُ مُحَمَّدٌ، أَوْ إِلَى مَا يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُ فَجَعَلَهُ رَاجِعًا إِلَى قَوْلِهِ: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطّور: ٣٠] . وَالْوَجْهُ مَا سَمِعْتَهُ آنِفًا.
وَالْغَيْبُ هُنَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، أَيْ مَا غَابَ عَنْ عِلْمِ النَّاسِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْغَيْبُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَكَلِمَةٌ (عِنْدَ) تُؤْذِنُ بِمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ وَالِاسْتِئْثَارِ، أَيِ اسْتَأْثَرُوا بِمَعْرِفَةِ الْغَيْبِ فَعَلِمُوا مَا لَمْ يَعْلَمْهُ غَيْرُهُمْ.
وَالْكِتَابَةُ فِي قَوْلِهِ: فَهُمْ يَكْتُبُونَ يَجُوزُ أَنَّهَا مُسْتَعَارَةٌ لِلْجَزْمِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّخَلُّفَ كَقَوْلِهِ: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الْأَنْعَام: ٥٤] لِأَنَّ شَأْنَ الشَّيْءِ الَّذِي يُرَادُ تَحْقِيقُهُ وَالدَّوَامُ عَلَيْهِ أَنْ يُكْتَبَ وَيُسَجَّلَ، كَمَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
وَهَلْ يَنْقُضُ مَا فِي الْمَهَارِقِ الْأَهْوَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute