وَفِي ضَمِيرِ مِنْكُمْ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، أَيْ من الْبشر.
[٣٨- ٤٨]
[سُورَة المدثر (٧٤) : الْآيَات ٣٨ إِلَى ٤٨]
كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢)
قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧)
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ يُبَيِّنُ لِلسَّامِعِ عُقْبَى الِاخْتِيَارِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر: ٣٧] أَيْ كُلٌّ إِنْسَانٍ رَهْنٌ بِمَا كَسَبَ مِنَ التَّقَدُّمِ أَوِ التَّأَخُّرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ لِيَكْسِبَ مَا يُفْضِي بِهِ إِلَى النَّعِيمِ أَوْ إِلَى الْجَحِيمِ.
ورَهِينَةٌ: خَبَرٌ عَنْ كُلُّ نَفْسٍ وَهُوَ بِمَعْنَى مَرْهُونَةٍ.
وَالرَّهْنُ: الْوِثَاقُ وَالْحَبْسُ وَمِنْهُ الرَّهْنُ فِي الدَّيْنِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُلَازَمَةِ وَالْمُقَارَنَةِ، وَمِنْهُ: فَرَسَا رِهَانٍ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ هُنَا عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الرَّهْنُ لِتَحْقِيقِ الْمُطَالَبَةِ بِحَقٍّ يُخْشَى أَنْ يَتَفَلَّتَ مِنْهُ الْمَحْقُوقُ بِهِ، فَالرَّهْنُ مُشْعِرٌ بِالْأَخْذِ بِالشِّدَّةِ وَمِنْهُ رَهَائِنُ الْحَرْبِ الَّذِينَ يَأْخُذُهُمُ الْغَالِبُ مِنَ الْقَوْمِ الْمَغْلُوبِينَ ضمانا لِئَلَّا يخبس الْقَوْمُ بِشُرُوطِ الصُّلْحِ وَحَتَّى يُعْطُوا دِيَاتِ الْقَتْلَى فَيَكُونَ الِانْتِقَامُ مِنَ الرَّهَائِنِ.
وَبِهَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: كُلُّ نَفْسٍ مُرَادًا بِهِ خُصُوصُ أَنْفُسِ الْمُنْذِرِينَ مِنَ الْبَشَرِ فَهُوَ مِنَ الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ بِالْقَرِينَةِ، أَيْ قَرِينَةِ مَا تُعْطِيهِ مَادَّةُ رَهِينَةٍ مِنْ مَعْنَى الْحَبْسِ وَالْأَسْرِ.
وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ.
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَلَامٌ مُنْصِفٌ وَلَيْسَ بِخُصُوصِ تَهْدِيدِ أَهْلِ الشَّرِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute