للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ تَذْيِيلٌ، أَيْ كَهَذَا الْبَيَانِ الَّذِي فِيهِ تَقْرِيبُ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ بَيَّنَ اللَّهُ نُصْحًا لَكُمْ، رَجَاءَ تَفَكُّرِكُمْ فِي الْعَوَاقِبِ حَتَّى لَا تَكُونُوا عَلَى غَفْلَةٍ. وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ نَحْوُ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَة: ١٤٣] .

[٢٦٧]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٦٧]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)

إِفْضَاءٌ إِلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ قُدِّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَوَاعِظُ وترغيب وتحذير. وَهِي طَرِيقَةٌ بَلَاغِيَّةٌ فِي الْخَطَابَةِ وَالْخِطَابِ. فَرُبَّمَا قَدَّمُوا الْمَطْلُوب ثمَّ جاؤوا بِمَا يُكْسِبُهُ قَبُولًا عِنْدَ السَّامِعِينَ، وَرُبَّمَا قَدَّمُوا مَا يُكْسِبُ الْقَبُولَ قَبْلَ الْمَقْصُودِ كَمَا هُنَا. وَهَذَا مِنِ ارْتِكَابِ خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فِي تَرْتِيبِ الْجُمَلِ، وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ

التَّرْغِيبُ فِي الصَّدَقَةِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي نُزُولِ الْقُرْآنِ فَصَارَ غَرَضًا دِينِيًّا مَشْهُورًا، وَكَانَ الِاهْتِمَامُ بِإِيضَاحِهِ وَالتَّرْغِيبُ فِي أَحْوَالِهِ وَالتَّنْفِيرُ مِنْ نَقَائِصِهِ أَجْدَرَ بِالْبَيَانِ. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ فِي خُطْبَتِهِ الَّتِي خَطَبَهَا حِينَ دَخَلَ سُفْيَانُ الْغَامِدِيُّ- أَحَدَ قُوَّادِ أَهْلِ الشَّامِ- بَلَدَ الْأَنْبَارِ- وَهِيَ مِنَ الْبِلَادِ الْمُطِيعَةِ لِلْخَلِيفَةِ عَلِيٍّ- وَقَتَلُوا عَامِلَهَا حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ الْجِهَادَ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ، وَشَمِلَهُ الْبَلَاءُ، وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ، وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ، وَسِيمَ الْخَسْفَ، وَمُنِعَ النَّصَفَ. أَلَا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَن يغزوكم، فو الله مَا غُزِيَ قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذُلُّوا، فَتَوَاكَلْتُمْ. هَذَا أَخُو غَامِدٍ قَدْ وَردت خيله الأنباء» إِلَخ. وَانْظُرْ كَلِمَةَ «الْجِهَادِ» فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ فَلَعَلَّ أَصْلَهَا الْقِتَالُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ فَحَرَّفَهَا قَاصِدٌ أَوْ غَافِلٌ وَلَا إِخَالُهَا تَصْدُرُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.