امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ الْمَنْهِيَّاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ- إِلَى قَوْلِهِ- ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَلَد: ١٢- ١٧] .
[٧٠]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٧٠]
لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠)
اسْتِئْنَافٌ عَادَ بِهِ الْكَلَامُ عَلَى أَحْوَالِ الْيَهُودِ وَجَرَاءَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رُسُلِهِ. وَذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِالْيَأْسِ مِنْ هَدْيِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَنَّ مَا قَابَلُوا بِهِ دَعْوَتَهُ لَيْسَ بِدْعًا مِنْهُمْ بَلْ ذَلِكَ دَأْبُهُمْ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَى الْيَهُودِ غَيْرَ مَرَّةٍ. أُولَاهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٨٣] .
وَالرُّسُلُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ هُمْ مُوسَى وَهَارُونُ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا مِثْلُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ وَأَشْعِيَا وأرميا وحزقيال وداوود وَعِيسَى. فَالْمُرَادُ بِالرُّسُلِ هُنَا الْأَنْبِيَاءُ: مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ بِشَرْعٍ وَكِتَابٍ، مثل مُوسَى وداوود وَعِيسَى، وَمَنْ جَاءَ مُعَزِّزًا لِلشَّرْعِ مُبَيِّنًا لَهُ، مِثْلُ يُوشَعَ وَأَشْعِيَا وَأَرْمِيَا. وَإِطْلَاقُ الرَّسُولِ عَلَى النَّبِيءِ الّذي لم يجىء بِشَرِيعَةٍ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ فِي الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا فَرِيقًا مِنَ الرُّسُلِ تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الرُّسُلِ بِالْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُمْ مَا قَتَلُوا إِلَّا أَنْبِيَاءَ لَا رُسُلًا.
وَقَوْلُهُ: كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا إِلَخْ انْتَصَبَ كُلَّما عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ أَزْمِنَةِ مَجِيءِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ فَيَدُلُّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ الرُّسُلِ تَبَعًا لِاسْتِغْرَاقِ أَزْمِنَةِ مَجِيئِهِمْ، إِذِ اسْتِغْرَاقُ أَزْمِنَةِ وُجُودِ شَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ اسْتِغْرَاقَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَمَا ظَرْفِيَّةٌ مَصْدَرِيَّةٌ دَالَّةٌ عَلَى الزَّمَانِ.
وَانْتَصَبَ (كُلَّ) عَلَى النِّيَابَةِ عَنِ الزَّمَانِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى اسْمِ الزَّمَانِ الْمُبْهَمِ، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute