قَرَنُوهَا بَهَاءِ التَّأْنِيثِ لَمَّا صَيَّرُوهَا اسْمًا لِلدِّينِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الرَّاغِبُ: الْمِلَّةُ كَالدِّينِ، ثُمَّ قَالَ: «وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدِّينِ أَنَّ الْمِلَّةَ لَا تُضَافُ إِلَّا إِلَى النَّبِيءِ الَّذِي تُسْنَدُ إِلَيْهِ نَحْوَ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، مِلَّةِ آبَائِي، وَلَا تُوجَدُ مُضَافَةً إِلَى اللَّهِ وَلَا إِلَى آحَاد الْأُمَّةِ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ دُونَ آحَادِهَا لَا يُقَالُ الصَّلَاةُ مِلَّةُ اللَّهِ» أَيْ وَيُقَالُ: الصَّلَاةُ دِينُ اللَّهِ ذَلِكَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي لَفْظِ الملّة أنّها مملول مِنَ اللَّهِ فَهِيَ تُضَافُ لِلَّذِي أُمِلَّتْ عَلَيْهِ.
وَمَعْنَى كَوْنِ الْإِسْلَامِ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ جَاءَ بِالْأُصُولِ الَّتِي هِيَ شَرِيعَةُ إِبْرَاهِيمَ وَهِيَ:
التَّوْحِيدُ، وَمُسَايَرَةُ الْفِطْرَةِ، وَالشُّكْرُ، وَالسَّمَاحَةُ، وَإِعْلَانُ الْحَقِّ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ
تَعَالَى: مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٦٧] .
وَالْحَنِيفُ: الْمُجَانِبُ لِلْبَاطِلِ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُهْتَدِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٣٥] . وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ.
وَجُمْلَةُ: وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَطْفٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُضَافَ هُنَا كَالْجَزَاءِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آيَةِ سُورَة الْبَقَرَة.
[١٦٢، ١٦٣]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : الْآيَات ١٦٢ إِلَى ١٦٣]
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)
اسْتِئْنَافٌ أَيْضًا، يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّفْرِيعِ عَنِ الْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّهُ اسْتُؤْنِفَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ غَرَضٌ مُسْتَقِلٌّ مُهِمٌّ فِي ذَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَفَرِّعًا عَنْ غَيْرِهِ، وَحَاصِلُ مَا تَضَمَّنَهُ هُوَ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَهُوَ مُتَفَرِّعٌ عَنِ التَّوْحِيدِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute