مَكْنِيَّةٍ فِي الْحُجَّةِ بِأَنْ تُشَبَّهَ بِسَائِرٍ إِلَى غَايَةٍ، وَقَرِينَتُهَا إِثْبَاتُ الْبُلُوغِ، وَلَا حَاجَةَ أَيْضًا إِلَى جَعْلِ إِسْنَادِ الْبُلُوغِ إِلَى الْحُجَّةِ مَجَازًا عَقْلِيًّا، أَيْ بَالِغًا صَاحِبُهَا قَصْدَهُ، لِأَنَّهُ لَا مَحِيصَ مِنِ اعْتِبَارِ الِاسْتِعَارَةِ فِي مَعْنَى الْبُلُوغِ، فَالتَّفْسِيرُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ أَوْلَى، وَالْمَعْنَى: لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْغَالِبَةُ لَكُمْ، أَيْ وَلَيْسَ اسْتِدْلَالُكُمْ بِحُجَّةٍ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَلَوْ شاءَ فَاءُ التَّفْرِيعِ عَلَى ظُهُورِ حُجَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ: تَفَرَّعَ عَلَى بُطْلَانِ اسْتِدْلَالِهِمْ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَهَدَاهُمْ، أَيْ لَوْ شَاءَ هِدَايَتَهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ إِرْسَالِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنْ يُغَيِّرَ عُقُولَهُمْ فَتَأْتِي عَلَى خِلَافِ مَا هُيِّئَتْ لَهُ لَكَانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَجْهِ عِنَايَةٍ خَاصَّةٍ بِهِمْ أَوْ خَارِقِ عَادَةٍ لِأَجْلِهِمْ، إِذْ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَكِنَّ حِكْمَتَهُ قَضَتْ أَنْ لَا يُعَمِّمَ عِنَايَتَهُ بَلْ يَخْتَصَّ بِهَا بَعْضَ خَاصَّتِهِ، وَأَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ سُنَّتِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِوَضْعِ الْعُقُولِ وَتَنْبِيهِهَا إِلَى الْحَقِّ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَنَصْبِ الْأَدِلَّةِ وَالدُّعَاءِ إِلَى سَبِيلِهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ، فَالْمَشِيئَةُ الْمَقْصُودَةُ فِي قَوْلِهِ: فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ غَيْرُ الْمَشِيئَةِ الْمَقْصُودَةِ فِيمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا [الْأَنْعَام: ١٤٨] وَإِلَّا لَكَانَ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ قَدْ أَثْبَتَ نَظِيرَهُ عَقِبَ الْإِنْكَارِ فَتَتَنَاقَضَ الْمُحَاجَّةُ، لِأَنَّ الْهِدَايَةَ تُسَاوِي عَدَمَ الْإِشْرَاكِ وَعَدَمَ التَّحْرِيمِ، فَلَا يَصْدُقُ جَعْلُ كليهمَا جَوَابا للو الِامْتِنَاعِيَّةِ، فَالْمَشِيئَةُ الْمَقْصُودَةُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ هِيَ الْمَشِيئَةُ الْخَفِيَّةُ الْمَحْجُوبَةُ، وَهِيَ مَشِيئَةُ التَّكْوِينِ، وَالْمَشِيئَةُ الْمُنْكَرَةُ عَلَيْهِمْ هِيَ مَا أَرَادُوهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْوَاقِعِ عَلَى الرِّضَى وَالْمَحَبَّةِ. هَذَا وَجْهُ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي كَلَّلَهَا مِنَ الْإِيجَازِ مَا شَتَّتَ أَفْهَامًا كَثِيرَةً فِي وَجْهِ تَفْسِيرِهَا لَا يَخْفَى بُعْدُهَا عَنْ مُطَالِعِ التَّفَاسِيرِ
وَالْمُوَازَنَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا هُنَا.
[١٥٠]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٥٠]
قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute