للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِاسْتِدْرَاكُ الَّذِي أَفَادَهُ قَوْلُهُ لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ رَاجِعٌ إِلَى مَا يُفِيدُهُ التَّقْيِيدُ بِالظَّرْفِ فِي قَوْلِهِ يَوْمَ يَأْتُونَنا مِنْ تَرَقُّبِ سُوءِ حَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي يَقْتَضِي الظَّنَّ بِأَنَّهُمُ الْآنَ فِي سَعَةٍ مِنَ الْحَالِ. فَأُفِيدَ أَنَّهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِالضَّلَالِ الْمُبِينِ وَهُوَ مِنْ سُوءِ الْحَالِ لَهُمْ لِمَا يَتْبَعُهُ مِنِ اضْطِرَابِ الرَّأْيِ وَالْتِبَاسِ الْحَالِ عَلَى صَاحِبِهِ. وَتِلْكَ نُكْتَةُ التَّقْيِيدِ بِالظَّرْفِ فِي قَوْلِهِ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.

وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِ الظَّالِمُونَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ. وَنُكْتَتُهُ التَّخَلُّصُ إِلَى خُصُوصِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ اصْطِلَاحَ الْقُرْآنِ إِطْلَاقُ الظَّالِمِينَ عَلَى عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ وَإِطْلَاقُ الظُّلْمِ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَان: ١٣] .

[٣٩]

[سُورَة مَرْيَم (١٩) : آيَة ٣٩]

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩)

عَقَّبَ تَحْذِيرَهُمْ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَالنِّدَاءَ عَلَى سُوءِ ضَلَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِالْأَمْرِ بِإِنْذَارِهِمِ اسْتِقْصَاءً فِي الْإِعْذَارِ لَهُمْ.

وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الظَّالِمِينَ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ لِقَوْلِهِ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَقَوْلِهِ وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ [مَرْيَم: ٤٠] .

وَانْتَصَبَ يَوْمَ الْحَسْرَةِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ خَلَفَ عَنِ الْمَفْعُول الثَّانِي ل أَنْذِرْهُمْ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَنْذِرْهُمْ عَذَابَ يَوْمِ الْحَسْرَةِ.

وَالْحَسْرَةُ: النَّدَامَةُ الشَّدِيدَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى التَّلَهُّفِ. وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ الْحَسْرَةِ يَوْمُ الْحِسَابِ، أُضِيفَ الْيَوْمُ إِلَى الْحَسْرَةِ لِكَثْرَةِ مَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ