وَالنَّصِيرُ: النَّاصِرُ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى النَّصْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ فِي سُورَة الْبَقَرَة [٤٨] .
[١١٧]
[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ١١٧]
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧)
انْتِقَالٌ مِنَ التَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ التَّقَاعُسِ وَالتَّوْبِيخِ عَلَى التَّخَلُّفِ، وَمَا
طَرَأَ عَلَى ذَلِكَ التَّحْرِيضِ مِنْ بَيَانِ أَحْوَالِ النَّاسِ تِجَاهَ ذَلِكَ التَّحْرِيضِ وَمَا عَقَبَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُنَافِقِينَ وَالضُّعَفَاءِ وَالْجُبَنَاءِ إِلَى بَيَانِ فَضِيلَةِ الَّذِينَ انْتُدِبُوا لِلْغَزْوِ وَاقْتَحَمُوا شَدَائِدَهُ، فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ.
وَافْتِتَاحُهَا بِحَرْفِ التَّحْقِيقِ تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِهَا الْمُتَقَرِّرِ فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِالْمُسْنِدَاتِ كُلِّهَا أَفْعَالًا مَاضِيَةً.
وَمِنَ الْمُحَسِّنَاتِ افْتِتَاحُ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا يُؤْذِنُ بِالْبِشَارَةِ لِرِضَى اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ غَزَوْا تَبُوكَ.
وَتَقْدِيمُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعَلُّقِ فِعْلِ التَّوْبَةِ بِالْغُزَاةِ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ هَذِهِ التَّوْبَةِ وَإِتْيَانِهَا عَلَى جَمِيعِ الذُّنُوبِ إِذْ قَدْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
وَمَعْنَى تابَ عَلَيْهِ: غَفَرَ لَهُ، أَيْ لَمْ يُؤَاخِذْهُ بِالذُّنُوبِ سَوَاءً كَانَ مذنبا أم لَمْ يَكُنْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ [المزمل: ٢٠] أَيْ فَغَفَرَ لَكُمْ وَتَجَاوَزَ عَنْ تَقْصِيرِكُمْ وَلَيْسَ هُنَالِكَ ذَنْبٌ وَلَا تَوْبَةٌ. فَمَعْنَى التَّوْبَةِ عَلَى النَّبِيءِ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا قَدْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ يُسَبِّبُ مُؤَاخَذَةً
كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»
.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute