وَبِاسِمِ الْمَصْدَرِ تَارَةً وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ [الرّوم: ٢٣] وَمَرَّةً بِالْفِعْلِ الْمُجَرّد المؤوّل بِالْمَصْدَرِ وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْمَجْرُورَ مُتَعَلِّقًا بِ يُرِيكُمُ وَتَكُونُ مِنْ ابْتِدَائِيَّةً فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْبَرْقِ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ
وَالنَّهارِ
[الرّوم: ٢٣] إِلَخْ. فَيَكُونُ تَغْيِيرُ الْأُسْلُوبِ لِأَنَّ مَنَاطَ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ تَقْرِيرُ النَّاسِ بِهَا إِذْ هِيَ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِذَوَاتِهِمْ فَلَيْسَ حَظُّهُمْ مِنْهَا سِوَى مُشَاهَدَتِهَا وَالْإِقْرَارِ بِأَنَّهَا آيَةٌ بَيِّنَةٌ. فَهَذَا التَّقْرِيرُ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها [الرَّعْد: ٢] ، وَلِيَتَأَتَّى عَطْفُ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَكْمِلَةٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ.
وَقَوْلُهُ خَوْفاً وَطَمَعاً مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. وَالْمُرَادُ: خَوْفًا تَخَافُونَهُ وَطَمَعًا تطمعونه. فالمصدران مؤولان بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ، أَيْ إِرَادَةَ أَنْ تَخَافُوا خَوْفًا وَتَطْمَعُوا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْبَرْقِ فِي قَوْلِهِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [١٢] . وَتَقَدَّمَ هُنَالِكَ أَنَّ خَوْفاً مَفْعُولٌ لَهُ وطَمَعاً كَذَلِكَ وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ.
وَجُعِلَتْ هَذِهِ الْآيَة آيَات لَا نطوائها عَلَى دَقَائِقَ عَظِيمَةٍ فِي خَلْقِ الْقُوَى الَّتِي هِيَ أَسْبَابُ الْبَرْقِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ وَخُرُوجِ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ بَعْدَ جَفَافِهَا وَمَوْتِهَا. وَنِيطَ الِانْتِفَاعُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ بِأَصْحَابِ صِفَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّ الْعَقْلَ الْمُسْتَقِيمَ غَيْرَ الْمَشُوبِ بِعَاهَةِ الْعِنَادِ وَالْمُكَابَرَةِ كَافٍ فِي فَهْمِ مَا فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْحِكَمِ عَلَى نَحْوِ مَا قُرِّرَ فِي نَظَائِرِهِ آنِفًا.
وَإِجْرَاءُ يَعْقِلُونَ عَلَى لَفْظِ قَوْمٍ لِلْإِيمَاءِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ آنِفًا فِي مِثْلِهِ. وَمَعْنَى اللَّامِ فِي قَوْلِهِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ مِثْلَ مَعْنَى أُخْتِهَا فِي قَوْلِهِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الرّوم: ٢١] .
[٢٥]
[سُورَة الرّوم (٣٠) : آيَة ٢٥]
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥)
خُتِمَتِ الْآيَاتُ بِهَذِهِ الْآيَةِ السَّادِسَةِ وَهِيَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute