للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ غَيْرُ مِنَ الْمُغَايَرَةِ فَيَكُونُ تَعْرِيضًا بِأَنَّ لَهُ حَالَةً أُخْرَى، وَهِيَ الْيُسْرُ، أَيْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ وَعِيدِ الْكَافِرِينَ وَإِغَاظَتِهِمْ، وَبِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ.

[١١- ١٦]

[سُورَة المدثر (٧٤) : الْآيَات ١١ الى ١٦]

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥)

كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦)

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا.

لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْكَافِرِينَ فِي قَوْلِهِ: فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ [المدثر:

٩، ١٠] ، وَأُشِيرُ إِلَى مَا يَلْقَاهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِقَوْلِهِ: وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر: ٧] انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ زَعِيمٍ مِنْ زُعَمَاءِ الْكَافِرِينَ وَمُدَبِّرِ مَطَاعِنِهِمْ فِي الْقُرْآنِ وَدَعْوَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَوْلُهُ: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً إِلَخْ. اسْتِئْنَافٌ يُؤْذِنُ بِأَنَّ حَدَثًا كَانَ سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عَقِبَ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَذَلِكَ حِينَ فَشَا فِي مَكَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاوَدَهُ الْوَحْيُ بَعْدَ فَتْرَةٍ وَأَنَّهُ أُمِرَ بِالْإِنْذَارِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاق أَنه اجْتمع نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو لَهَبٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَالْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ، وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ. فَقَالُوا: إِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتَقْدَمُ عَلَيْكُمْ فِي الْمَوْسِمِ وَهُمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ وَقَدِ اخْتَلَفْتُمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ. فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ:

مَجْنُونٌ وَآخَرُ يَقُولُ: كَاهِنٌ، وَآخَرُ يَقُولُ: شَاعِرٌ، وَتَعْلَمُ الْعَرَبُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي رَجُلٍ وَاحِد، فسمّوا مُحَمَّد بِاسْمٍ وَاحِدٍ تَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ بِهِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: شَاعِرٌ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: سَمِعْتُ كَلَامَ ابْنِ الْأَبْرَصِ (يَعْنِي عَبِيدَ بْنَ الْأَبْرَصِ) وَأُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ، وَعَرَفْتُ الشِّعْرَ كُلَّهُ، وَمَا يُشْبِهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ كَلَامَ شَاعِرٍ، فَقَالُوا:

كَاهِنٌ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: مَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَلَا بِسَجْعِهِ. وَالْكَاهِنُ يَصْدُقُ وَيَكْذِبُ وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَجْنُونٌ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: لَقَدْ عَرَفْنَا الْجُنُونَ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ يُخْنَقُ فَمَا هُوَ يخنقه وَلَا تَخَالُجِهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ، فَقَالُوا: سَاحِرٌ، قَالَ الْوَلِيدُ: لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا عَقْدِهِ، وَانْصَرَفَ الْوَلِيدُ إِلَى بَيْتِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَبْدِ شَمْسٍ أَصَبَأْتَ؟ فَقَالَ الْوَلِيدُ: فَكَّرْتُ فِي