وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ أَوِ الدَّوَامَ عَلَيْهِ فالمعنيّ: ب (فَإِنْ زَلَلْتُمْ) :
الِاتِّصَافُ بِمَا يُنَافِي الْأَمْرَ بِالدُّخُولِ فِي السِّلْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَيِّنَاتِ الْمُعْجِزَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ، نَقَلَ الْفَخْرُ عَنْ «تَفْسِيرِ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ» دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ بِالذَّنْبِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ الْبَيَانِ وَأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ تَكُونُ بَعْدَ حُصُولِ الْبَيِّنَاتِ لَا بَعْدَ حُصُولِ الْيَقِينِ مِنَ الْمُكَلَّفِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي عَدَمِ حُصُولِ الْيَقِينِ إِنْ كَانَتِ الْأَدِلَّةُ كَافِيَةً.
وَفِي «الْكَشَّافِ» رُوِيَ أَنَّ قَارِئًا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَسَمِعَهُ أَعْرَابِيٌّ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ لَا يَقُولُ الْحَكِيمُ كَذَا لَا يَذْكُرُ الْغُفْرَانَ عِنْدَ الزَّلَلِ لِأَنَّهُ إِغْرَاءٌ عَلَيْهِ اهـ وَفِي الْقُرْطُبِيِّ عَنْ «تَفْسِيرِ النَّقَّاشِ» نِسْبَةُ مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَذَكَرَ الطِّيبِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ كُنْتُ أَقْرَأُ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُور رَحِيم، ويجنبي أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ كَلَامُ مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ كَلَامُ اللَّهِ، قَالَ: لَيْسَ هَذَا كَلَامَ اللَّهِ فانتبهت فَقَرَأت أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الْمَائِدَة: ٣٨] فَقَالَ أَصَبْتَ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ فَقُلْتُ
أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ لَا قُلْتُ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قَالَ يَا هَذَا عَزَّ فَحَكَمَ فَقَطَعَ وَلَوْ غَفَرَ وَرَحِمَ لما قطع.
[٢١٠]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢١٠]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠)
إِنْ كَانَ الْإِضْمَارُ جَارِيًا عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فَضَمِيرُ يَنْظُرُونَ رَاجِعٌ إِلَى مَعَادٍ مَذْكُورٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ إِمَّا مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [الْبَقَرَة: ٢٠٤] ، وَإِمَّا إِلَى مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [الْبَقَرَة: ٢٠٧] ، أَوْ إِلَى كِلَيْهِمَا لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ يَنْتَظِرُونَ يَوْمَ الْجَزَاءِ، فَأَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ يَنْتَظِرُهُ شَكًّا فِي الْوَعِيدِ بِالْعَذَابِ، وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ يَنْتَظِرُهُ انْتِظَارَ الرَّاجِي لِلثَّوَابِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ [يُونُس: ١٠٢] فَانْتِظَارُهُمْ أَيَّامَ الَّذِينَ خَلَوُا انْتِظَارُ تَوَقُّعِ سُوءٍ انْتِظَار النَّبِيءِ مَعَهُمُ انْتِظَارُ تَصْدِيقِ وَعِيدِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْإِضْمَارُ جَارِيًا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ [الْبَقَرَة: ٢٠٨] وَمَا بَعْدَهُ، أَوْ إِلَى الَّذِينَ زَلُّوا الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ زَلَلْتُمْ [الْبَقَرَة: ٢٠٩] ، وَهُوَ حِينَئِذٍ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ، إِمَّا لِمُجَرَّدِ تَجْدِيدِ نَشَاطِ السَّامِعِ إِنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute