وَ (مِنْ) مَزِيدَةٌ بَعْدَ (إِنِ) النَّافِيَةِ لِتَأْكِيدِ اسْتِغْرَاقِ مَدْخُولِهَا بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ الْمُقَدَّرَةِ، أَيْ جَمِيعِ الْقُرَى الْكَافِرَةِ كَيْلَا يَحْسَبَ أَهْلُ مَكَّةَ عَدَمَ شُمُولِهِمْ.
وَالْكِتَابُ: مُسْتَعَارٌ لِعِلْمِ اللَّهِ وَسَابِقِ تَقْدِيرِهِ، فَتَعْرِيفُهُ لِلْعَهْدِ أَوْ أُرِيدَ بِهِ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، فَتَعْرِيفُهُ لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ الْقُرْآنَ وَغَيْرَهُ.
وَالْمَسْطُورُ: الْمَكْتُوبُ، يُقَالُ: سَطَّرَ الْكِتَابَ إِذَا كَتَبَهُ سُطُورًا، قَالَ تَعَالَى: وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ [الْقَلَم: ١] .
[٥٩]
[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٥٩]
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩)
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها هَذَا كَشْفُ شُبْهَةٍ أُخْرَى مِنْ شُبَهِ تَكْذِيبِهِمْ إِذْ كَانُوا يسْأَلُون النَّبِي أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَاتٍ عَلَى حَسَبِ اقْتِرَاحِهِمْ، وَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ صَادِقًا وَهُوَ يَطْلُبُ مِنَّا أَنْ نُؤْمِنَ بِهِ لَجَاءَنَا بِالْآيَاتِ الَّتِي سَأَلْنَاهُ، غُرُورًا بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّ اللَّهَ يَتَنَازَلُ لِمُبَارَاتِهِمْ.
وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها الْآيَة [الْإِسْرَاء:
٥٨] ، أَيْ إِنَّمَا أَمْهَلْنَا الْمُتَمَرِّدِينَ عَلَى الْكُفْرِ إِلَى أَجَلِ نُزُولِ الْعَذَابِ وَلَمْ نُجِبْهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا مِنَ الْآيَاتِ لِعَدَمِ جَدْوَى إِرْسَالِ الْآيَاتِ للأولين من قبيلهم فِي الْكُفْرِ عَلَى حَسَبِ اقْتِرَاحِهِمْ فَكَذَّبُوا بِالْآيَاتِ.
وَحَقِيقَةُ الْمَنْعِ: كَفُّ الْفَاعِلِ عَنْ فِعْلٍ يُرِيد فعله أَوْ يَسْعَى فِي فِعْلِهِ، وَهَذَا مُحَالٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ لَا مُكْرِهَ لِلْقَادِرِ الْمُخْتَارِ. فَالْمَنْعُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلصَّرْفِ عَنِ الْفِعْلِ وَعَدَمِ إِيقَاعِهِ
دُونَ مُحَاوَلَةِ إِتْيَانِهِ.
وَالْإِرْسَالُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فَيَكُونُ مَفْعُولُ أَنْ نُرْسِلَ مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ نُرْسِلَ. وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ نُرْسِلَ رَسُولَنَا، فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِالْآياتِ