عَلِيمٌ بِصُنْعِهِمْ فِي الْمُخَالَفَةِ عَنْ أَمْرِهِ فَكَمَا أَنَّهُ لِحِلْمِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِمُؤَاخَذَتِهِمْ فَكُنْ أَنْتَ مُؤْتَسِيًا بِاللَّهِ وَمُتَخَلِّقًا بِمَا تَسْتَطِيعُهُ مِنْ صِفَاتِهِ وَفِي ضِمْنِ هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ إِفْلَاتِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ عَلَى سُوءِ عَمَلِهِمْ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ لِأَنَّ كَمَدَ نَفْسِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ تَأْخِيرِ عِقَابِهِمْ وَلَكِنْ لِأَجْلِ عَدَمِ اهْتِدَائِهِمْ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ إِنَّ إِمَّا تَمْثِيلٌ لِحَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَالِ مَنْ أَغْفَلَهُ التَّحَسُّرُ عَلَيْهِمْ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي إِمْهَالِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فَأَكَّدَ لَهُ الْخَبَرَ بِ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ، وَإِمَّا لِجَعْلِ التَّأْكِيدِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ لِتَكُونَ إِنَّ مُغْنِيَةً غَنَاءَ فَاءِ التَّفْرِيعِ فَتَتَمَخَّضَ الْجُمْلَةُ لِتَقْرِيرِ التَّسْلِيَةِ وَالتَّعْرِيضِ بِالْجَزَاءِ عَنْ ذَلِكَ.
وَعَبَّرَ بِ يَصْنَعُونَ دُونَ: يَعْمَلُونَ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ يُدَبِّرُونَ مَكَائِدَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ إِيذَانًا بِوُجُودِ بَاعِثٍ آخَرَ عَلَى النَّزْعِ عَنِ الْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَبُو جهل وَحزبه.
[٩]
[سُورَة فاطر (٣٥) : آيَة ٩]
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩)
لَمَّا قُدِّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ اللَّهَ فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ أَهْلِهَا وَذَلِكَ أَعْظَمُ دَلِيلٍ عَلَى تَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ ثَنَّى هُنَا بِالِاسْتِدْلَالِ بِتَصْرِيفِ الْأَحْوَالِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَذَلِكَ بِإِرْسَالِ الرِّيَاحِ وَتَكْوِينِ السَّحَابِ وَإِنْزَالِ الْمَطَرِ، فَهَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [فاطر: ١] .
وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي مقَام الْإِضْمَار دُونَ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ إِلَى اسْمِ اللَّهِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ [فاطر: ٨] .
وَاخْتِيرَ مِنْ دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ دَلَالَةُ تَجَمُّعِ أَسْبَابِ الْمَطَرِ لِيُفْضِيَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى تَنْظِيرِ إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ بَعْدَ أَحْوَالِ الْفَنَاءِ بِآثَارِ ذَلِكَ الصُّنْعِ الْعَجِيبِ وَأَنَّ الَّذِي خَلَقَ وَسَائِلَ إِحْيَاءِ الْأَرْضِ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ وَسَائِلِ إِحْيَاءِ الَّذِينَ ضَمِنَتْهُمُ الْأَرْضُ عَلَى سَبِيلِ الْإِدْمَاجِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute