وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا جُمْلَةَ وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى [طه: ٤٩] ، وَجُمْلَةَ قالَ فَمَنْ رَبُّكُما بَيَانًا لِجُمْلَةِ فَكَذَّبَ وَأَبى. فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَزْمُ فِرْعَوْنَ عَلَى إِحْضَارِ السَّحَرَةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ إِرَادَةِ الْآيَاتِ كُلَّهَا فَوَقَعُوا فِي إِشْكَالِ صِحَّةِ التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: آياتِنا كُلَّها. وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ اعْتِرَافِ السَّحَرَةِ بِأَنَّهُمْ غُلِبُوا مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْآيَاتِ إِنَّمَا ظَهَرَ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ مِثْلَ:
سِنِيِّ الْقَحْطِ، وَالدَّمِ، وَانْفِلَاقِ الْبَحْرِ. وَهَذَا الْحَمْلُ لَا دَاعِيَ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ لَا يَقْتَضِي ترتيبا.
[٥٧- ٥٩]
[سُورَة طه (٢٠) : الْآيَات ٥٧ إِلَى ٥٩]
قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُتَّصِلَةٌ بِجُمْلَةِ قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى [طه: ٥١] وَجَوَابُ مُوسَى عَنْهَا. وَافْتِتَاحُهَا بِفِعْلِ قالَ وَعَدَمُ عَطْفِهِ لَا يَتْرُكُ شَكًّا فِي أَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْمُحَاوَرَةِ.
وَقَوْلُهُ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَاهُ آيَةَ انْقِلَابِ الْعَصَا حَيَّةً، وَانْقِلَابِ يَدِهِ بَيْضَاءَ. وَذَلِكَ مَا سَمَّاهُ فِرْعَوْنُ سِحْرًا. وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمُقْتَضَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمَا: قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ ...
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute