للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٢٦، ٢٧]

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : الْآيَات ٢٦ الى ٢٧]

وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧)

وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ.

الْقَرَابَةُ كُلُّهَا مُتَشَعِّبَةٌ عَنِ الْأُبُوَّةِ فَلَا جَرَمَ انْتَقَلَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى حُقُوقِ الْأَبَوَيْنِ إِلَى الْكَلَامِ عَلَى حُقُوقِ الْقَرَابَةِ.

وَلِلْقَرَابَةِ حَقَّانِ: حُقُّ الصِّلَةِ، وَحَقُّ الْمُوَاسَاةِ. وَقَدْ جَمَعَهُمَا جِنْسُ الْحَقِّ فِي قَوْلِهِ حَقَّهُ. وَالْحَوَالَةُ فِيهِ على مَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَعَلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى.

وَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِثْلِ قَوْلِهِ: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ [الْإِسْرَاء: ٢٣] .

وَالْعُدُولُ عَنِ الْخِطَابِ بِالْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ [الْإِسْرَاء: ٢٥] الْآيَةَ إِلَى الْخِطَابِ بِالْإِفْرَادِ بِقَوْلِهِ: وَآتِ ذَا الْقُرْبى تَفَنُّنٌ لِتَجَنُّبِ كَرَاهَةِ إِعَادَةِ الصِّيغَةِ الْوَاحِدَةِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، وَالْمُخَاطَبُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ. وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الْإِسْرَاء: ٢٣] لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا قَضَى اللَّهُ بِهِ.

وَالْإِيتَاءُ: الْإِعْطَاءُ. وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي إِعْطَاءِ الْأَشْيَاءِ، وَمَجَازٌ شَائِع فِي التَّمْكِين مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَالنُّصْرَةِ. وَمِنْهُ

قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا»

الْحَدِيثَ.

وَإِطْلَاقُ الْإِيتَاءِ هَنَا صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ كَمَا هِيَ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ فِي تَوْفِيرِ الْمَعَانِي وَإِيجَازِ الْأَلْفَاظِ.

وَقَدْ بَيَّنَتْ أَدِلَّةٌ شَرْعِيَّةٌ حُقُوقَ ذِي الْقُرْبَى وَمَرَاتِبَهَا: مِنْ وَاجِبَةٍ مِثْلِ بَعْضِ النَّفَقَةِ عَلَى بَعْضِ الْقَرَابَةِ مُبَيَّنَةٍ شُرُوطَهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْ غَيْرِ وَاجِبَةٍ مِثْلِ الْإِحْسَانِ.

وَلَيْسَ لِهَاتِهِ تَعَلُّقٌ بِحُقُوقِ قرَابَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ فِي الْمَالِ تَقَرَّرَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ لَمَّا فُرِضَتِ الزَّكَاةُ وَشُرِعَتِ الْمَغَانِمُ وَالْأَفْيَاءُ وَقِسْمَتُهَا. وَلِذَلِكَ حَمَلَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى حُقُوقِ قَرَابَةِ