وَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ نَذِيرِي تَخْفِيفًا وَلِلرَّعْيِ عَلَى الْفَاصِلَةِ.
وَالنَّذِيرُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ مِثْلُ النَّكِيرِ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ.
وَقَدَّمَ التَّهْدِيدَ بِالْخَسْفِ عَلَى التَّهْدِيدِ بِالْحَاصِبِ لِأَنَّ الْخَسْفَ مِنْ أَحْوَالِ الْأَرْضِ، وَالْكَلَامُ عَلَى أَحْوَالِهَا أَقْرَبُ هُنَا فَسَلَكَ شِبْهِ طَرِيقِ النَّشْرِ الْمَعْكُوسِ، وَلِأَنَّ إِرْسَالَ الْحَاصِبِ عَلَيْهِمْ جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِمْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي مِنْهَا رِزْقُهُمْ فِي الْأَرْضِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الْملك: ١٥] فَإِنَّ مَنْشَأَ الْأَرْزَاقِ الْأَرْضِيَّةِ مِنْ غُيُوثِ السَّمَاءِ قَالَ تَعَالَى وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ [الذاريات: ٢٢] .
[١٨]
[سُورَة الْملك (٦٧) : آيَة ١٨]
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨)
بَعْدَ أَنْ وَجَّهَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الْخِطَابَ تَذْكِيرًا وَاسْتِدْلَالًا وَامْتِنَانًا وَتَهْدِيدًا وَتَهْوِيلًا ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ [الْملك: ١٣] الْتَفَتَ عَنْ خِطَابِهِمْ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِحَالَةِ الْغَيْبَةِ، تَعْرِيضًا بِالْغَضَبِ عَلَيْهِمْ بِمَا أَتَوْهُ مِنْ كُلِّ تَكْذِيبِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانُوا جَدِيرِينَ بِإِبْعَادِهِمْ عِزَّ الْحُضُورِ لِلْخِطَابِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وَلَمْ يَقْطَعْ تَوْجِيهِ التَّذْكِيرِ إِلَيْهِمْ وَالْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَدَبَّرُونَ فِي أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَّخِرْهُمْ نُصْحًا.
فَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً [الْملك:
١٧] لِمُنَاسَبَةٍ أَنَّ مِمَّا عُوقِبَ بِهِ بَعْضُ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ خَسْفٍ أَوْ إِرْسَالِ حِجَارَةٍ مِنَ السَّمَاءِ وَهُمْ قَوْمُ لُوطٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ خُسِفَ بِهِمْ مِثْلُ أَصْحَابِ الرَّسِّ.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ لِلْحَالِ، أَيْ كَيْفَ تأمنون ذَلِك عِنْد مَا تُكَذِّبُونَ الرَّسُولَ فِي حَالِ أَنَّهُ قَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ فَهَلْ عَلِمْتُمْ مَا أَصَابَهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلِ.
ضَرَبَ اللَّهُ لَهُمْ مَثَلًا بِأُمَمٍ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْاسْتِئْصَالِ مَا قَدْ عَلِمُوا أَخْبَارَهُ لَعَلَّهُمْ أَنْ يَتَّعِظُوا بِقِيَاسِ التَّمْثِيلِ إِنْ كَانَتْ عُقُولُهُمْ لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ الْانْتِفَاعِ بِأَقْيِسَةِ الْاسْتِنْتَاجِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ عَرِفُوا آثَارَ عَادٍ وَثَمُودَ وَتَنَاقَلُوا أَخْبَارَ قَوْمِ نُوحٍ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ وَفُرِّعَ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ اسْتِفْهَامًا تَقْرِيرِيًّا وَتَنْكِيرِيًّا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي حَالِ فَظَاعَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute