للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ، أَيْ هَبْكُمْ أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلين أَو أشدّ حِيلَةً مِنْهُمْ أَوْ لَكُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ مَا لَيْسَ لَهُمْ، فَمَا أَنْتُمْ بِمُفْلِتِينَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ كَقَوْلِهِ: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [العنكبوت: ٢٢] .

وَجِيءَ بِلَامِ الْجُحُودِ مَعَ كانَ الْمَنْفِيَّةِ لِإِفَادَةِ تَأْكِيدِ نَفْيِّ كُلِّ شَيْءٍ يَحُولُ دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كَالِاحْتِرَاسِ.

وَمَعْنَى «يُعْجِزُهُ» : يَجْعَلُهُ عَاجِزًا عَنْ تَحْقِيقِ مُرَادِهِ فِيهِ فَيُفْلِتُ أَحَدً عَنْ مُرَادِ اللَّهِ مِنْهُ.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً تَعْلِيلٌ لِانْتِفَاءِ شَيْءٍ يُغَالِبُ مُرَادَ اللَّهِ بِأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِلْمِ وَاسِعُهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ وَبِأَنَّهُ شَدِيدُ الْقُدْرَةِ.

وَقَدْ حَصَرَ هَذَانِ الْوَصْفَانِ انْتِفَاءَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يُعْجِزُ اللَّهَ لِأَنَّ عَجْزَ الْمُرِيدِ عَنْ تَحْقِيقِ إِرَادَتِهِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ خَفَاءَ مَوْضِعِ تَحَقُّقِ الْإِرَادَةِ، وَهَذَا يُنَافِي إِحَاطَةَ الْعِلْمِ، أَوْ عَدَمَ اسْتِطَاعَةِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ وَهَذَا يُنَافِي عُمُوم الْقُدْرَة.

[٤٥]

[سُورَة فاطر (٣٥) : آيَة ٤٥]

وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥)

تَذْكِيرٌ لَهُمْ عَنْ أَنْ يَغُرَّهُمْ تَأْخِيرُ الْمُؤَاخَذَةِ فَيَحْسَبُوهُ عَجْزًا أَوْ رِضًى مِنَ اللَّهِ بِمَا هُمْ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَال: ٣٢] فَعِلْمُهُمْ أَنَّ لِعَذَابِ اللَّهِ آجالا اقتضتها حكمته، فِيهَا رَعْيُ مَصَالِحِ أُمَمٍ آخَرِينَ، أَوِ اسْتِبْقَاءِ أَجْيَالٍ آتِينَ. فَالْمُرَادُ بِ النَّاسَ مَجْمُوعُ الْأُمَّةِ، وَضَمِيرُ «مَا كَسَبُوا» وَضَمِيرُ يُؤَخِّرُهُمْ عَائِدٌ إِلَى أَجَلٍ.

وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ إِلَى قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَاءَ فِيهَا بِما كَسَبُوا وَهُنَالِكَ جَاءَ فِيهَا بِظُلْمِهِمْ [النَّحْل: ٦١] لِأَنَّ مَا كَسَبُوا