وَكَوْنُ ذَلِكَ فِي السَّمَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُحَقَّقٌ فِي عِلْمِ أَهْلِ السَّمَاءِ، أَيِ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِتَصْرِيفِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّ مَكَانَ حُصُولِهِ فِي السَّمَاءِ، مِنْ جَنَّةٍ أَوْ جَهَنَّمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَجَهَنَّمَ مَوْجُودَتَانِ مِنْ قَبْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ لَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِهِ. وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مَا أُوعِدُوهُ يَأْتِيهِمْ مِنْ قِبَلِ السَّمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذابٌ أَلِيمٌ [الدُّخان: ١٠، ١١] .
فَإِنَّ ذَلِكَ الدُّخَانَ كَانَ فِي طَبَقَاتِ الْجَوِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَة الدُّخان.
[٢٣]
[سُورَة الذاريات (٥١) : آيَة ٢٣]
فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)
بَعْدَ أَنْ أَكَّدَ الْكَلَامَ بِالْقَسَمِ ب الذَّارِياتِ [الذَّارِيَاتِ: ١] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ بِالْقَسَمِ بِخَالِقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَى أَنَّ مَا يُوعَدُونَ حَقٌّ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ وَمُنَاسَبَتُهُ قَوْلُهُ: وَما تُوعَدُونَ [الذاريات: ٢٢] .
وَإِظْهَارُ اسْمِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ دُونَ ذِكْرِ ضَمِيرِهِمَا لِإِدْخَالِ الْمَهَابَةِ فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ بِعَظَمَةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ.
وَضَمِيرُ إِنَّهُ لَحَقٌّ عَائِدٌ إِلَى مَا تُوعَدُونَ [الذاريات: ٢٢] . وَهَذَا مِنْ رَدِّ الْعَجز على الْمصدر لِأَنَّهُ رَدٌّ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ السُّورَةِ إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ [الذاريات: ٥] وَانْتَهَى الْغَرَضُ.
وَقَوْلُهُ: مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ زِيَادَةُ تَقْرِيرٍ لِوُقُوعِ مَا أُوعِدُوهُ بِأَنْ شُبِّهَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ كَالضَّرُورَةِ لَا امْتِرَاءَ فِي وُقُوعِهِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُخَاطَبِينَ يَنْطِقُونَ. وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: كَمَا أَنَّ قَبْلَ الْيَوْمِ أَمْسِ، أَوْ كَمَا أَنَّ بَعْدَ الْيَوْمِ غَدًا. وَهُوَ مِنَ التَّمْثِيلِ بِالْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ، وَمِنْهُ تَمْثِيلُ سُرْعَةِ الْوُصُولِ لِقُرْبِ الْمَكَانِ فِي قَوْلِ زُهَيْرٍ:
فَهُنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ وَقَوْلِهِمْ: مِثْلَ مَا أَنَّكَ هَاهُنَا، وَقَوْلِهِمْ: كَمَا أَنَّكَ تَرَى وَتَسْمَعُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute