وَفِي خِطَابِهِمْ بِوَصْفِ الْبُنُوَّةِ مِنْهُ تَرْقِيقٌ لَهُمْ وَتَلَطُّفٌ لِيَكُونَ أَبْعَثَ عَلَى الِامْتِثَالِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الْيَأْسِ، فَمَوْقِعُ إِنَّ التَّعْلِيلُ. وَالْمَعْنَى: لَا تَيْأَسُوا مِنَ الظَّفَرِ بِيُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مُعْتَلِّينَ بِطُولِ
مُدَّةِ الْبُعْدِ الَّتِي يَبْعُدُ مَعَهَا اللِّقَاءُ عَادَةً. فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا شَاءَ تَفْرِيجَ كُرْبَةٍ هَيَّأَ لَهَا أَسْبَابَهَا، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ وَاسِعُ الْقُدْرَةِ لَا يُحِيلُ مِثْلَ ذَلِكَ فَحَقُّهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي سَبَبِهِ وَيَعْتَمِدَ عَلَى اللَّهِ فِي تَيْسِيرِهِ، وَأَمَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ فَهُمْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى الْأُمُورِ الْغَالِبَةِ فِي الْعَادَةِ وَيُنْكِرُونَ غَيْرَهَا.
وَقَرَأَ الْبَزِّيُّ بِخُلْفٍ عَنْهُ وَلَا تَأْيَسُوا- وَإنَّهُ لَا يَأْيَسُ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْيَاءِ الثَّانِيَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْله: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ [سُورَة يُوسُف: ٨٠] .
[٨٨]
[سُورَة يُوسُف (١٢) : آيَة ٨٨]
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)
الْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى كَلَامٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ، أَيْ فَارْتَحَلُوا إِلَى مِصْرَ بِقَصْدِ اسْتِطْلَاقِ بِنْيَامِينَ مِنْ عَزِيزِ مِصْرَ ثُمَّ بِالتَّعَرُّضِ إِلَى التَّحَسُّسِ مِنْ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَوَصَلُوا مِصْرَ، فَدَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ إِلَخْ ... وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا وَجْهُ دُعَائِهِمْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِوَصْفِ الْعَزِيزِ.
وَأَرَادُوا بِمَسِّ الضُّرِّ إِصَابَتَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ إِطْلَاقُ مَسِّ الضُّرِّ عَلَى الْإِصَابَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٧] .
وَالْبِضَاعَةُ تَقَدَّمَتْ آنِفًا. وَالْمُزْجَاةُ: الْقَلِيلَةُ الَّتِي لَا يُرْغَبُ فِيهَا فَكَأَنَّ صَاحِبَهَا يُزْجِيهَا، أَي يَدْفَعهَا بكفة لِيَقْبَلَهَا الْمَدْفُوعَةُ إِلَيْهِ. وَالْمُرَادُ بِهَا مَالٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute