للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلصِّفَاتِ الَّتِي أُجْرِيَتْ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّذْيِيلِ، أَيْ لَيْسَ لِغَيْرِ اللَّهِ شُبْهَةٌ إِلَهِيَّةٌ.

وَقَوْلُهُ: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَيْ مَالِكُ الْفُلْكِ الْأَعْظَمِ الْمُحِيطِ بِالْعَوَالِمِ الْعُلْيَا وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِأَنَّ عَظَمَةَ مُلْكِ بِلْقِيسَ وَعِظَمِ عَرْشِهَا مَا كَانَ حَقِيقًا بِأَنْ يَغُرَّهَا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ رَبُّ الْمُلْكِ الْأَعْظَمِ، فَتَعْرِيفُ الْعَرْشِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ. وَوَصْفُهُ بِ الْعَظِيمِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ الْعِظَمِ فِي تَجَسُّمِ النَّفَاسَةِ.

وَفِي مُنْتَهَى هَذِهِ الْآيَةِ مَوْضِعُ سُجُودِ تِلَاوَةٍ تَحْقِيقًا لِلْعَمَلِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ: أَلَّا يَسْجُدُوا

لِلَّهِ

. وَسَوَاء قرىء بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ: أَلَّا يَسْجُدُوا أَمْ بِتَخْفِيفِهَا لِأَنَّ مَآلَ الْمَعْنَى عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ إِنْكَارُ سُجُودِهِمْ لِغَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحقيق بِالسُّجُود.

[٢٧]

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٢٧]

قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧)

تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ [النَّمْل: ٢٢] بَيَانُ وَجْهِ تَطَلُّبِ سُلَيْمَانَ تَحْقِيقَ صِدْقِ خَبَرِ الْهُدْهُدِ. وَالنَّظَرُ هُنَا نَظَرُ الْعَقْلِ وَهُوَ التَّأَمُّلُ، لَا سِيَّمَا وَإِقْحَامُ كُنْتَ أَدْخَلَ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى الْكَذِبِ مِنْ صِيغَةِ أَصَدَقْتَ لِأَنَّ فِعْلَ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ يُفِيدُ الرُّسُوخَ فِي الْوَصْفِ بِأَنَّهُ كَائِنٌ عَلَيْهِ. وَجُمْلَةُ: مِنَ الْكاذِبِينَ أَشَدُّ فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْكَذِبِ بِالِانْخِرَاطِ فِي سِلْكِ الْكَاذِبِينَ بِأَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ عَادَةً لَهُ. وَفِي ذَلِكَ إِيذَانٌ بِتَوْضِيحِ تُهْمَتِهِ بِالْكَذِبِ لِيَتَخَلَّصَ مِنَ الْعِقَابِ، وَإِيذَانٌ بِالتَّوْبِيخِ وَالتَّهْدِيدِ وَإِدْخَالِ الرَّوْعِ عَلَيْهِ بِأَنَّ كَذِبَهُ أَرْجَحُ عِنْدَ الْمَلِكِ لِيَكُونَ الْهُدْهُدُ مُغَلِّبًا الْخَوْفَ عَلَى الرَّجَاءِ، وَذَلِكَ أَدْخُلُ فِي التَّأْدِيبِ عَلَى مِثْلِ فِعْلَتِهِ وَفِي حِرْصِهِ عَلَى تَصْدِيقِ نَفْسِهِ بِأَنْ يُبَلِّغَ الْكِتَابَ الَّذِي يُرْسِلهُ مَعَه.

[٢٨]

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٢٨]

اذْهَبْ بِكِتابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (٢٨)

الْجُمْلَةُ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ [النَّمْل: ٢٧] لِأَنَّ فِيمَا