للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَوَجْهُ عَدَمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ أَنَّ الْإِفْرَاطَ فِي تَنَاوُلِ اللَّذَّاتِ وَالطَّيِّبَاتِ، وَالْإِكْثَارَ مِنْ بَذْلِ الْمَالِ فِي تَحْصِيلِهَا، يُفْضِي غَالِبًا إِلَى اسْتِنْزَافِ الْأَمْوَالِ وَالشَّرَهِ إِلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا، فَإِذَا ضَاقَتْ عَلَى الْمُسْرِفِ أَمْوَالُهُ تَطَلَّبَ تَحْصِيلَ الْمَالِ مِنْ وُجُوهٍ فَاسِدَةٍ، لِيُخْمِدَ بِذَلِكَ نَهْمَتَهُ إِلَى اللَّذَّاتِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَأْبَهُ، فَرُبَّمَا ضَاقَ عَلَيْهِ مَالُهُ، فَشَقَّ عَلَيْهِ الْإِقْلَاعُ عَنْ مُعْتَادِهِ، فَعَاشَ فِي كَرْبٍ وَضَيْقٍ، وَرُبَّمَا تَطَلَّبَ الْمَالَ مِنْ وُجُوهٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ، فَوَقَعَ فِيمَا يُؤَاخَذُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ قَدْ يُعْقِبُ عِيَالَهُ خَصَاصَةً وَضَنْكَ مَعِيشَةٍ. وَيَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مَلَامٌ وَتَوْبِيخٌ وَخُصُومَاتٌ تُفْضِي إِلَى مَا لَا يُحْمَدُ فِي اخْتِلَالِ نِظَامِ الْعَائِلَةِ. فَأَمَّا كَثْرَةُ الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ فَإِنَّهَا لَا تُوقِعُ فِي مِثْلِ هَذَا، لِأَنَّ الْمُنْفِقَ لَا يَبْلُغُ فِيهَا مَبْلَغَ الْمُنْفِقِ لِمَحَبَّةِ لَذَّاتِهِ، لِأَنَّ دَاعِيَ الْحِكْمَةِ قَابِلٌ لِلتَّأَمُّلِ وَالتَّحْدِيدِ بِخِلَافِ دَاعِي الشَّهْوَةِ. وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي الْكَلَامِ الَّذِي يَصِحُّ طَرْدًا وَعَكْسًا: «لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ، وَلَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ» وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣١] : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الْأَعْرَاف: ٣١]

وَقَول النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وإضاعة المَال»

. [١٤٢]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٤٢]

وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢)

عُطِفَ: حَمُولَةً عَلَى: جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ [الْأَنْعَامِ: ١٤١] أَيْ: وَأَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ حمولة وفرشا، فينسحب عَلَيْهِ الْقصر الّذي فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، أَي هُوَ الّذي أنشأ من الْأَنْعَام حَمُولَةً وَفَرْشًا لَا آلِهَةَ الْمُشْرِكِينَ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ ظَالِمِينَ فِي جَعْلِهِمْ لِلْأَصْنَامِ حَقًّا فِي الْأَنْعَامِ.

وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ الْأَنْعامِ ابْتِدَائِيَّةٌ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ مَعْنًى يَصْلُحُ