للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ٦٠]

لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠)

هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ جَوَابًا عَنْ مَقَالَتِهِمُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى [سُورَة النَّحْل: ٥٨] فَإِن لَهَا ارتباطا بِجُمْلَةِ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ [سُورَة النَّحْل: ٥٧] كَمَا تَقَدَّمَ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ، جُمْلَةِ سُبْحانَهُ، غَيْرَ أَنَّ جُمْلَةَ سُبْحانَهُ جَوَابٌ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ عَمَّا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ، وَهَذِهِ جَوَابٌ بِتَحْقِيرِهِمْ عَلَى مَا يُعَامِلُونَ بِهِ الْبَنَاتِ مَعَ نِسْبَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ هَذَا الصِّنْفَ الْمُحَقَّرَ عِنْدَهُمْ.

وَقَدْ جَرَى الْجَوَابُ عَلَى اسْتِعْمَال الْعَرَب عِنْد مَا يَسْمَعُونَ كَلَامًا مَكْرُوهًا أَوْ مُنْكَرًا أَنْ يَقُولُوا لِلنَّاطِقِ بِهِ: بفيك الْحجر، وبفيك الْكَثْكَثُ، وَيَقُولُونَ: تَرِبَتْ يَدَاكَ، وَتَرِبَتْ يَمِينُكَ، وَاخْسَأْ.

وَكَذَلِكَ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ شَتْمًا لَهُمْ.

وَالْمَثَلُ: الْحَالُ الْعَجِيبَةُ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى السُّوءِ لِلْبَيَانِ.

وَعُرِّفُوا بِ «الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» لِأَنَّهُمُ اشْتَهَرُوا بِهَذِهِ الصِّلَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [سُورَة النَّحْل:

٢٢] ، وَقَوْلِهِ: بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ [سُورَة سبأ:

٨] .

وَجُمْلَةُ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى عُطِفَتْ عَلَى جُمْلَةِ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ لِأَنَّ بِهَا تَكْمِلَةَ إِفْسَادِ قَوْلِهِمْ وَذَمِّ رَأْيِهِمْ، إِذْ نَسَبُوا إِلَى اللَّهِ الْوَلَدَ وَهُوَ مِنْ لَوَازِمِ الِاحْتِيَاجِ وَالْعَجْزِ. وَلَمَّا نَسَبُوا إِلَيْهِ ذَلِكَ خَصُّوهُ بِأَخَسِّ الصِّنْفَيْنِ عِنْدَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ [سُورَة النَّحْل: ٦٢] ، وَإِنْ لم يكن كَذَلِك فِي الْوَاقِعِ وَلَكِنَّ هَذَا جَرَى عَلَى اعْتِقَادِهِمْ وَمُؤَاخَذَةً لَهُمْ بِرَأْيِهِمْ.