بِلَامِ التَّعْلِيلِ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ اسْتِقَامَةِ تَشْرِيكِ الْحُكْمِ بِالْعَطْفِ فَيَكُونُ عَطْفُهُ كَعَطْفِ الْجُمَلِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَعْنَى.
وَصَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قَدَّرَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فِعْلًا مَحْذُوفًا بَعْدَ الْوَاوِ، أَيْ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ، وَهُوَ تَقْدِيرُ مَعْنًى وَلَيْسَ تَقْدِيرَ نَظْمِ الْكَلَامِ.
وَالْمُرَادُ بِالْفَاسِقِينَ الْكَافِرُونَ، إِذِ الْفِسْقُ يُطْلَقُ عَلَى الْكُفْرِ، فَتَكُونُ عَلَى نَحْوِ مَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخُرُوجُ عَنْ أَحْكَامِ شَرْعِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا كَافِرِينَ بِهِ أَمْ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ وَلَكِنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُ فَيَكُونُ ذَمًّا لِلنَّصَارَى فِي التَّهَاوُنِ بِأَحْكَامِ كِتَابِهِمْ أَضْعَفَ مِنْ ذمّ الْيَهُود.
[٤٨]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٤٨]
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨)
جَالَتِ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ جَوْلَةً فِي ذِكْرِ إِنْزَالِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَآبَتْ مِنْهَا إِلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ فَكَانَ كَرَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ لِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [الْمَائِدَة: ٤١] لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْقُرْآن جَاءَ نسخا لِمَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ مُؤَاخَذَةَ الْيَهُودِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مُؤَاخَذَةٌ لَهُمْ بِعَمَلِهِمْ قَبْلَ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ، وَلِيُعْلِمَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَطْمَعُونَ من محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَوَقَعَ قَوْلُهُ:
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ إتماما لِتَرْتِيبِ نُزُولِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ، وَتَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ:
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute