للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامر وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَنْ بِوَاوِ الْعَطْفِ. وَقَرَأَ غَيْرُهُمْ أَوْ أَنْ بِ (أَوِ) الَّتِي لِلتَّرْدِيدِ، أَيْ لَا يَخْلُو سَعْيُ مُوسَى عَنْ حُصُول أحد هاذين.

وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ يَاءِ يُظْهِرَ وَنَصْبِ الْفَسادَ أَي يُبدل دينكُمْ وَيَكُونُ سَبَبًا فِي ظُهُورِ الْفَسَادِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصُ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِرَفْعِ الْفَسَادُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْفَسَادَ يَظْهَرُ بِسَبَبِ ظُهُورِ أَتْبَاعِ مُوسَى، أَو بِأَن يجترىء غَيْرُهُ عَلَى مِثْلِ دَعْوَاهُ بِأَنْ تَزُولَ حُرْمَةُ الدَّوْلَةِ، لِأَنَّ شَأْنَ أَهْلِ الْخَوْفِ عَنْ عَمَلٍ أَنْ يَنْقَلِبَ جُبْنُهُمْ شَجَاعَةً إِذَا رَأَوْا نَجَاحَ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يُرِيدُونَ مثله.

[٢٧]

[سُورَة غَافِر (٤٠) : آيَة ٢٧]

وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧)

هَذَا حِكَايَةُ كَلَامٍ صَدَرَ مِنْ مُوسَى فِي غَيْرِ حَضْرَةِ فِرْعَوْنَ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ مُوسَى لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَضُمُّهُ مَلَأُ اسْتِشَارَةِ فِرْعَوْنَ حِينَ قَالَ لِقَوْمِهِ: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى [غَافِر: ٢٦] وَلَكِنَّ مُوسَى لَمَّا بَلَغَهُ مَا قَالَهُ فِرْعَوْن فِي ملائه قَالَ مُوسَى فِي قَوْمِهِ: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ، وَلِذَلِكَ حُكِيَ فِعْلُ قَوْلِهِ مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ لَمْ يَقَعْ فِي مُحَاوَرَةٍ مَعَ مَقَالِ فِرْعَوْنَ بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ الْمَحْكِيَّةِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [١٨- ٣١] مِنْ قَوْلِهِ: قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً إِلَى قَوْلِهِ: قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.

وَقَوْلُهُ: عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ خِطَابٌ لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَطْمِينًا لَهُمْ وَتَسْكِينًا لِإِشْفَاقِهِمْ عَلَيْهِ مِنْ بَطْشِ فِرْعَوْنَ. وَالْمَعْنَى: إِنِّي أَعْدَدْتُ الْعُدَّةَ لِدَفْعِ بَطْشِ فِرْعَوْنَ الْعَوْذَ بِاللَّهِ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَفِي مُقَدِّمَةِ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَبِّرِينَ فِرْعَوْنُ.

وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ مُوسَى عَلِمَ أَنَّهُ سَيَجِدُ مُنَاوِينَ مُتَكَبِّرِينَ يَكْرَهُونَ مَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ إِلَيْهِمْ، فَدَعَا رَبَّهُ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لَهُ الْحِفْظَ وَكَفَاهُ ضَيْرَ كُلِّ مُعَانِدٍ، وَذَلِكَ مَا حُكِيَ فِي سُورَةِ طه [٤٥، ٤٦] : قَالَا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى قالَ لَا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى