للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عُلَمَاءُ التَّصَوُّفِ عَلَى جَعْلِ كُلِّ مُرَكَّبٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَقَبًا لِمَعْنَى مِنَ الْانْكِشَافِ الْعَقْلِيِّ وَجَرَتْ فِي كِتَابِ «الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ» لِلشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ بن عَرَبِيّ.

[٥٢]

[سُورَة الحاقة (٦٩) : آيَة ٥٢]

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)

تَفْرِيعٌ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وَصْفِ الْقُرْآنِ وَتَنْزِيهِهِ عَلَى الْمَطَاعِنِ وَتَنْزِيهِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا افْتَرَاهُ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ، وَعَلَى مَا أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ لِلْمُكَذِّبِينَ بِهِ بِالْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتِ الرُّسُلَ، فَأُمِرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُسَبِّحَ اللَّهَ تَسْبِيحَ ثَنَاءٍ وَتَعْظِيمٍ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ

عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةِ الرِّسَالَةِ وَإِنْزَالِ هَذَا الْقُرْآنِ عَلَيْهِ.

وَاسْمُ اللَّهِ هُوَ الْعَلَمُ الدَّالُّ عَلَى الذَّاتِ.

وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ سَبِّحِ اللَّهَ تَسْبِيحًا بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ اعْتِقَادَ التَّنْزِيهِ وَالْإِقْرَارَ بِهِ وَإِشَاعَتَهُ.

وَالتَّسْبِيحُ: التَّنْزِيهُ عَنِ النَّقَائِصِ بِالْاعْتِقَادِ وَالْعِبَادَةِ وَالْقَوْلِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَجْرِيَ فِي التَّسْبِيحِ الْقَوْلِيِ اسْمُ الْمُنَزَّهِ فَلِذَلِكَ قَالَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَلَمْ يَقُلْ فَسَبِّحْ رَبَّكَ الْعَظِيمَ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ وَجْهُ إِقْحَامِ اسْمٍ فِي قَوْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الْفَاتِحَة: ١] .

وَتَسْبِيحُ الْمُنْعِمِ بِالْاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ وَهُمَا مُسْتَطَاعُ شُكْرِ الشَّاكِرِينَ إِذْ لَا يَبْلُغُ إِلَى شُكْرِهِ بِأَقْصَى مِنْ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ اسْتِمْرَارُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَدَاءِ رِسَالَتِهِ وَإِبْلَاغِهَا.

وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»

. وَاسْتَحَبَّ الْتِزَامَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ الْتِزَامَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُعَدَّ وَاجِبًا فَرْضًا اهـ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي آخِرِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ.