وَقَدْ أَفْصَحَ عَنِ التَّعْلِيلِ الْمَقْصُودِ جُمْلَةُ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، أَيْ رَجَاءُ حُصُولِ الْعِلْمِ لَكُمْ مِنْ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ، لِأَنَّكُمْ عَرَبٌ فَنُزُولُهُ بِلُغَتِكُمْ مُشْتَمِلًا عَلَى مَا فِيهِ نَفْعُكُمْ هُوَ سَبَبٌ
لِعَقْلِكُمْ مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ، وَعَبَّرَ عَنِ الْعِلْمِ بِالْعَقْلِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ دَلَالَةَ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ قَدْ بَلَغَتْ فِي الْوُضُوحِ حَدَّ أَنْ يَنْزِلَ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ مِنْهَا مَنْزِلَةَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ، وَأَنَّهُمْ مَا دَامُوا مُعْرِضِينَ عَنْهُ فَهُمْ فِي عِدَادِ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ.
وَحَذْفُ مَفْعُولِ تَعْقِلُونَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ إِنْزَالَهُ كَذَلِكَ هُوَ سَبَبٌ لِحُصُولِ تَعَقُّلٍ لِأَشْيَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعُلُومِ مِنْ إِعْجَازٍ وَغَيْرِهِ.
وَتَقَدَّمَ وَجْهُ وُقُوعِ (لَعَلَّ) فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَحْمَلُ الرَّجَاءِ الْمُفَادِ بِهَا على مَا يؤول إِلَى التَّعْلِيلِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٥٢] ، وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ بَعْدَهَا بِمَا لَا التباس بعده.
[٣]
[سُورَة يُوسُف (١٢) : آيَة ٣]
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَتَنَزَّلُ مِنْ جُمْلَةِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [سُورَة يُوسُف: ٢] مَنْزِلَةَ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ لِأَنَّ أَحْسَنَ الْقَصَصِ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ. وَكَوْنُ الْقَصَصَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الِاشْتِمَالِ مِنْ جُمْلَةِ تَأْكِيدِ إِنْزَالِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ: بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ يَتَضَمَّنُ رَابِطًا بَيْنَ جُمْلَةِ الْبَدَلِ وَالْجُمْلَةِ الْمُبْدَلِ مِنْهَا.
وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِضَمِيرِ الْعَظَمَةِ لِلتَّنْوِيهِ بِالْخَبَرِ، كَمَا يَقُولُ كِتَابُ «الدِّيوَانِ» : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُ بِكَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute