للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انْتِفَاءُ الْعِلْمِ عَنْهُمْ. فَمَوْقِعُ حَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ لِدَفْعِ تَعَجُّبِ مَنْ يَتَعَجَّبُ مِنْ رِضَاهُمْ بِالِاخْتِصَاصِ بِوَصْف السفاهة.

[١٤]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٤]

وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤)

عُطِفَ وَإِذا لَقُوا عَلَى مَا عُطِفَ عَلَيْهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا [الْبَقَرَة: ١٢] وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ [الْبَقَرَة: ١٣] . وَالْكَلَامُ فِي الظَّرْفِيَّةِ وَالزَّمَانِ سَوَاءٌ.

وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: وَإِذا خَلَوْا فَبِذَلِكَ كَانَ مُفِيدًا فَائِدَةً زَائِدَةً عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ [الْبَقَرَة: ٨] الْآيَةَ فَلَيْسَ مَا هُنَا تَكْرَارًا مَعَ مَا هُنَاكَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا وَصْفُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِيهَامِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ وَلِقَائِهِمْ بِوُجُوهِ الصَّادِقِينَ، فَإِذَا فَارَقُوهُمْ وَخَلَصُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَادَتِهِمْ خَلَعُوا ثَوْبَ التَّسَتُّرِ وَصَرَّحُوا بِمَا يُبْطِنُونَ. وَنُكْتَةُ تَقْدِيمِ الظَّرْفِ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا.

وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ آمَنَّا أَيْ كُنَّا مُؤْمِنِينَ فَالْمُرَادُ مِنَ الْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِمْ آمَنَّا الْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الْأَوْصَافِ الِاعْتِقَادِيَّةِ والعلمية الَّتِي تقلب بِهَا الْمُؤْمِنُونَ وَعُرِفُوا بِهَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ [الْأَعْرَاف: ١٥٦] أَيْ كُنَّا عَلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ فَلَا مُتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ آمَنَّا حَتَّى يَحْتَاجَ لِتَوْجِيهِ حَذْفِهِ أَوْ تَقْدِيرِهِ، أَوْ أُرِيدَ آمَنَّا بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَلِقَاؤُهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا هُوَ حُضُورُهُمْ مَجْلِسَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَجَالِسَ الْمُؤْمِنِينَ. وَمَعْنَى قالُوا آمَنَّا أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ لَا بِعَقْدِ الْقَلْبِ، أَيْ نَطَقُوا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُتَرْجِمُ عَنِ الْإِيمَانِ.

وَقَوْلُهُ: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِذا لَقُوا وَالْمَقْصُودُ هُوَ هَذَا الْمَعْطُوفُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا فَتَمْهِيدٌ لَهُ كَمَا عَلِمْتَ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنَ السِّيَاقِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ آمَنَّا فِي حَالِ اسْتِهْزَاءٍ يُصَرِّحُونَ بِقَصْدِهِ إِذَا خَلَوْا بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ مِنَ الْإِيمَانِ وَيَقُولُونَ: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ [الْبَقَرَة: ١٣] إِنْكَارًا لِذَلِكَ، وَوَاوُ الْعَطْفِ صَالِحَةٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِحَسَبَ السِّيَاقِ وَذَلِكَ أَنَّ السِّيَاقَ فِي بَيَانِ مَا لَهُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ وَجْهٍ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَوَجْهٍ مَعَ قَادَتِهِمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي