[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ٥٤]
فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤)
انْتِقَالٌ بِالْكَلَامِ إِلَى خطاب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَضَمِيرُ الْجَمْعِ عَائِدٌ إِلَى مَعْرُوفٍ مِنَ السِّيَاقِ وَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ فَإِنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْزَابِ الَّذِينَ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا، أَوْ هُمْ عَيْنُهُمْ: فَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ الْعُزَّى. وَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَ مَنَاةَ، وَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَ ذَا الْخَلَصَةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَالْكَلَامُ ظَاهِرُهُ الْمُتَارَكَةُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِمْلَاءُ لَهُمْ وَإِنْذَارُهُمْ بِمَا يَسْتَقْبِلُهُمْ مِنْ سُوءِ
الْعَاقِبَةِ فِي وَقْتٍ مَا. وَلِذَلِكَ نُكِّرَ لَفْظُ حِينٍ الْمَجْعُولُ غَايَةً لِاسْتِدْرَاجِهِمْ، أَيْ زَمَنٌ مُبْهَمٌ، كَقَوْلِهِ: لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الْأَعْرَاف: ١٨٧] .
وَالْغَمْرَةُ حَقِيقَتُهَا: الْمَاءُ الَّذِي يَغْمُرُ قَامَةَ الْإِنْسَانِ بِحَيْثُ يُغْرِقُهُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٩٣] . وَإِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرِهِمْ بِاعْتِبَارِ مُلَازَمَتِهَا إِيَّاهُمْ حَتَّى قَدْ عُرِفَتْ بِهِمْ، وَذَلِكَ تَمْثِيلٌ لِحَالِ اشْتِغَالِهِمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الِازْدِهَارِ وَتَرَفِ الْعَيْشِ عَنِ التَّدَبُّرِ فِيمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الرَّسُولُ لِيُنَجِّيهِمْ مِنَ الْعِقَابِ بِحَالِ قَوْمٍ غَمَرَهُمُ الْمَاءُ فَأَوْشَكُوا عَلَى الْغَرَقِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنهم يسبحون.
[٥٥، ٥٦]
[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : الْآيَات ٥٥ إِلَى ٥٦]
أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)
الْأَشْبَهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٤] بِاعْتِبَارِ أَنَّ جُمْلَةَ فَذَرْهُمْ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى عَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي أَلْهَتْهُمْ عَنِ النَّظَرِ فِي دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ وَغَرَّتْهُمْ بِأَنَّهُمْ بِمَحَلِّ الْكَرَامَةِ عَلَى اللَّهِ بِمَا خَوَّلَهُمْ مِنَ الْعِزَّةِ وَالتَّرَفِ، وَمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ التَّوَعُّدِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ نِهَايَةٌ يَنْتَهُونَ إِلَيْهَا وَأَنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُمْ مَا هُمْ فِيهِ زَمَنَ النِّعْمَةِ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: ١١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute