للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ

أَهْلَ مَسْجِدِ الضِّرَارِ لَيْسُوا كَذَلِكَ.

وَقَدْ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الِاسْتِجْمَارِ بِالْأَحْجَارِ وَالْغُسْلِ بِالْمَاءِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثٌ

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرًا فِي الطَّهُورِ فَمَا طَهُورُكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّ أَحَدَنَا إِذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ. قَالَ: هُوَ ذَلِكَ فَعَلَيْكُمُوهُ»

، فَهَذَا يَعُمُّ الْأَنْصَارَ كُلَّهُمْ. وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ أَهْلَ قُبَاءَ عَنْ طَهَارَتِهِمْ لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ هُمْ أَيْضًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسُؤَالُهُ إِيَّاهُمْ لِتَحَقُّقِ اطِّرَادِ هَذَا التَّطَهُّرِ فِي قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ.

وَأُطْلِقَتِ الْمَحَبَّةُ فِي قَوْلِهِ: يُحِبُّونَ كِنَايَةً عَنْ عَمَلِ الشَّيْءِ الْمَحْبُوبِ لِأَنَّ الَّذِي يُحِبُّ شَيْئًا مُمْكِنًا يَعْمَلُهُ لَا مَحَالَةَ. فَقَصَدَ التَّنْوِيهَ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ يَتَطَهَّرُونَ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ بِالطَّهَارَةِ وَإِرْضَاءً لِمَحَبَّةِ نُفُوسِهِمْ إِيَّاهَا، بِحَيْثُ صَارَتِ الطِّهَارَةُ خُلُقًا لَهُمْ فَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ لَفَعَلُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ.

وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ تَذْيِيلٌ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نُفُوسَهُمْ وَافَقَتْ خُلُقًا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَفَى بِذَلِكَ تَنْوِيهًا بزكاء أنفسهم.

[١٠٩]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ١٠٩]

أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩)

تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التَّوْبَة:

١٠٨] لِزِيَادَةِ بَيَانِ أَحَقِّيَّةِ الْمَسْجِدِ الْمُؤَسَّسِ عَلَى التَّقْوَى بِالصَّلَاةِ فِيهِ.

وَبَيَانُ أَنَّ تَفْضِيلَ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ فِي أَنَّهُ حَقِيقٌ بِالصَّلَاةِ فِيهِ تَفْضِيلٌ مَسْلُوبُ الْمُشَارَكَةِ لِأَنَّ مَسْجِدَ الضِّرَارِ لَيْسَ حَقِيقًا بِالصَّلَاةِ فِيهِ بَعْدَ النَّهْيِ، لِأَنَّ صَلَاةَ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ