للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَوْقِعُ جُمْلَةِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ يَجُوزُ فِيهِ مَا مَضَى فِي جُمْلَةِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَان: ١٣] وَجُمْلَةِ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لُقْمَان: ١٦] ، وَجُمْلَةِ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لُقْمَان: ١٧] .

[١٩]

[سُورَة لُقْمَان (٣١) : آيَة ١٩]

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)

بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لَهُ آدَابَ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ النَّاسِ قَفَّاهَا بِحُسْنِ الْآدَابِ فِي حَالَتِهِ الْخَاصَّةِ، وَتِلْكَ حَالَتَا الْمَشْيِ وَالتَّكَلُّمِ، وَهَمَا أَظْهَرُ مَا يَلُوحُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ آدَابِهِ.

وَالْقَصْدُ: الْوَسَطُ الْعَدْلُ بَيْنَ طَرَفَيْنِ، فَالْقَصْدُ فِي الْمَشْيِ هُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طَرَفِ التَّبَخْتُرِ وَطَرَفِ الدَّبِيبِ وَيُقَالُ: قَصَدَ فِي مَشْيِهِ. فَمَعْنَى اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ: ارْتَكِبِ الْقَصْدَ.

وَالْغَضُّ: نَقْصُ قُوَّةِ اسْتِعْمَالِ الشَّيْءِ. يُقَالُ: غَضَّ بَصَرَهُ، إِذَا خَفَضَ نَظَرَهُ فَلَمْ يُحَدِّقْ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ فِي سُورَةِ النُّورِ [٣٠] .

فَغَضُّ الصَّوْتِ: جَعْلُهُ دُونَ الْجَهْرِ. وَجِيءَ بِ مِنْ الدَّالَّةِ عَلَى التَّبْعِيضِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ يَغُضُّ بَعْضَهُ، أَيْ بَعْضَ جَهْرِهِ، أَيْ يَنْقُصُ مِنْ جُهُوَرَتِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ إِلَى التَّخَافُتِ وَالسِّرَارِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ تَعْلِيلٌ عَلَّلَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْغَضِّ مِنْ صَوْتِهِ بِاعْتِبَارِهَا مُتَضَمِّنَةً تَشْبِيهًا بَلِيغًا، أَيْ لِأَنَّ صَوْتَ الْحَمِيرِ أَنْكَرُ الْأَصْوَاتِ. وَرَفْعُ الصَّوْتِ فِي

الْكَلَامِ يُشْبِهُ نَهِيقَ الْحَمِيرِ فَلَهُ حَظٌّ مِنَ النَّكَارَةِ.

وأَنْكَرَ: اسْمُ تَفْضِيلٍ فِي كَوْنِ الصَّوْتِ مَنْكُورًا، فَهُوَ تَفْضِيلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ وَمِثْلُهُ سَمَاعِيٌّ وَغَيْرُ شَاذٍّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: «أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النَّحْيَيْنِ» أَيْ أَشَدُّ مَشْغُولِيَّةً مِنَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أُرِيدَتْ فِي هَذَا الْمَثَلِ.

وَإِنَّمَا جَمَعَ الْحَمِيرِ فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ مَعَ أَن صَوت مُفردا وَلَمْ يَقُلِ الْحِمَارَ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ بِلَامِ الْجِنْسِ يَسْتَوِي مُفْرَدُهُ وَجَمْعُهُ. وَلِذَلِكَ يُقَالُ: إِنَّ لَامَ الْجِنْسِ إِذَا دَخَلَتْ