وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَكُونُ ابْتِدَاءُ نُزُولِهَا آخِرَ سَنَةِ أَرْبَعٍ مِنَ الْبَعْثَةِ فَتَكُونُ مِنْ أَقْدَمِ السُّوَرِ نُزُولًا فَتَكُونُ نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الْحِجْرِ وَطه وَبَعْدَ غَافِرٍ، فَالْوَجْهُ أَنَّ مُعْظَمَ آيَاتِهَا نَزَلَ بَعْدَ سُورَةِ الزِّلْزَالِ.
وَعُدَّتْ آيِهَا فِي عَدِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ ثَمَانًا وَعِشْرِينَ، وَفِي عَدِّ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ تِسْعًا وَعِشْرِينَ.
وَوَرَدَ فِي فَضْلِهَا مَعَ غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ الْمُفْتَتَحَةِ بِالتَّسْبِيحِ مَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ «أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِالْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ وَيَقُولُ:
إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ
. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَظَنَّ ابْنُ كَثِيرٍ أَنَّ الْآيَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا فِي حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الْحَدِيد: ٣] لِمَا وَرَدَ فِي الْآثَارِ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا.
[أغراضها]
الْأَغْرَاضُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ السُّورَةُ:
التَّذْكِيرُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَصِفَاتِهِ الْعَظِيمَةِ، وَسِعَةِ قُدْرَتِهِ وَمَلَكُوتِهِ، وَعُمُومِ تَصَرُّفِهِ، وَوُجُوبِ وُجُودِهِ، وَسِعَةِ عِلْمِهِ، وَالْأَمْرِ بِالْإِيِمَانِ بِوُجُودِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ.
وَالتَّنْبِيهُ لِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْهَدْيِ وَسَبِيلِ النَّجَاةِ، وَالتَّذْكِيرُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرَأْفَتِهِ بِخَلْقِهِ.
وَالتَّحْرِيضُ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْمَالَ عَرَضٌ زَائِلٌ لَا يَبْقَى مِنْهُ لِصَاحِبِهِ إِلَّا ثَوَابُ مَا أَنْفَقَ مِنْهُ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ.
وَالتَّخَلُّصُ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خَيْرٍ وَضِدُّ ذَلِكَ لِلْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ.