[سُورَة هود (١١) : آيَة ٨٨]
قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)
تَقَدَّمَ نَظِيرُ الْآيَةِ فِي قِصَّةِ نُوحٍ وَقِصَّةِ صَالِحٍ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-.
وَالْمُرَادُ بِالرِّزْقِ الْحَسَنِ هُنَا مِثْلُ الْمُرَادِ مِنَ الرَّحْمَةِ فِي كَلَامِ نُوحٍ وَكَلَامِ صَالِحٍ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- وَهُوَ نعْمَة النبوءة، وَإِنَّمَا عَبَّرَ شُعَيْبٌ- عَلَيْهِ السّلام- عَن النبوءة بِالرِّزْقِ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ مُشَاكَلَةً لِقَوْلِهِمْ: أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا مَا نَشؤُا [هود: ٨٧] لِأَنَّ الْأَمْوَالَ أَرْزَاقٌ. وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ، أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي. وَالتَّقْدِيرُ: مَاذَا يَسَعُكُمْ فِي تَكْذِيبِي، أَوْ مَاذَا يُنْجِيكُمْ مِنْ عَاقِبَةِ تَكْذِيبِي، وَهُوَ تَحْذِيرٌ لَهُمْ عَلَى فَرْضِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، أَيْ فَالْحَزْمُ أَنْ تَأْخُذُوا بِهَذَا الِاحْتِمَالِ، أَوْ فَالْحَزْمُ أَنْ تَنْظُرُوا فِي كُنْهِ مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ لِصَلَاحِكُمْ.
وَمَعْنَى وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ من التّابعين فَمن بَعْدِهِمْ: مَا أُرِيدُ مِمَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ أَنْ أَمْنَعَكُمْ أَفْعَالًا وَأَنَا أَفْعَلُهَا، أَيْ لَمْ أَكُنْ لِأَنْهَاكُمْ عَنْ شَيْءٍ وَأَنَا أَفْعَلُهُ. وَبَيَّنَ فِي «الْكَشَّافِ» إِفَادَةَ التَّرْكِيبِ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ «يُقَالُ: خَالَفَنِي فُلَانٌ إِلَى كَذَا إِذَا قَصَدَهُ وَأَنْتَ مُوَلٍّ عَنْهُ ... وَيَلْقَاكَ الرَّجُلُ صَادِرًا عَنِ الْمَاءِ فَتَسْأَلُهُ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَقُولُ: خَالَفَنِي إِلَى الْمَاءِ، يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ وَارِدًا وَأَنَا ذَاهِبٌ عَنْهُ صَادِرًا» اه.
وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَدُلُّ عَلَى الِاتِّصَافِ بِضِدِّ حَالِهِ، فَإِذَا ذُكِرَتْ فِي غَرَضٍ دَلَّتْ عَلَى الِاتِّصَافِ بِضِدِّهِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ وَجْهَ الْمُخَالَفَةِ بِذِكْرِ اسْمِ الشَّيْءِ الَّذِي حَصَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute