للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ٣٩]

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)

أَتْبَعَ إِبْطَالَ أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ بِذَاتِهِمَا وَسِيلَةَ قُرْبٍ لَدَى اللَّهِ تَعَالَى رَدًّا عَلَى مَزَاعِمِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا يُشْبِهُ مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى ذَلِكَ الْإِبْطَالِ من إِثْبَات انْتِفَاع بِالْمَالِ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى رِضَى اللَّهِ إِنِ اسْتُعْمِلَ فِي طَلَبِ مرضاة الله تَفْضِيلًا لِمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ إِجْمَالًا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يكون فِيهِ قربَة إِلَى اللَّهِ بِقَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً [سبأ: ٣٧] كَمَا تقدم.

وَقَوله: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ قَرِيبًا تَأْكِيدًا لِذَلِكَ وَلِيُبْنَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ الْآيَةَ. فَالَّذِي تَقَدَّمَ رَدٌّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَالْمَذْكُورُ هُنَا تَرْغِيبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْعِبَارَاتُ وَاحِدَةٌ وَالْمَقَاصِدُ مُخْتَلِفَةٌ. وَهَذَا مِنْ

وُجُوهِ الْإِعْجَازِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الْوَاحِدُ صَالِحًا لِغَرَضَيْنِ وَأَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى طَائِفَتَيْنِ.

وَلَمَّا كَانَ هَذَا الثَّانِي مُوَجَّهًا إِلَى الْمُؤْمِنِينَ أُشِيرَ إِلَى تَشْرِيفِهِمْ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ: مِنْ عِبادِهِ أَيِ الْمُؤْمِنِينَ، وَضَمِيرُ لَهُ عَائِدٌ إِلَى مِنْ، أَيْ وَيَقْدِرُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ.

وَمَفْعُولُ يَقْدِرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَفْعُولُ يَبْسُطُ.

وَكَانَ مَا تقدم حَدِيثا عَن بسط الرِّزْقَ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يَنْعَمُوا بِوَصْفٍ مِنْ عِبادِهِ لِأَنَّ فِي الْإِضَافَةِ تَشْرِيفًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي هَذَا امْتِنَانٌ عَلَى الَّذِينَ يَبْسُطُ عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ بِأَنْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُمْ فَضْلَ الْإِيمَانِ وَفَضْلَ سَعَةِ الرِّزْقِ، وَتَسْلِيَةٌ لِلَّذِينِ قَدَرَ عَلَيْهِمْ رِزْقَهُمْ بِأَنَّهُمْ نَالُوا فَضْلَ الْإِيمَانِ وَفَضْلَ الصَّبْرِ عَلَى ضِيقِ الْحَيَاةِ.

وَفِي تَعْلِيقِ لَهُ بِ يَقْدِرُ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يَخْلُو مِنْ فَائِدَةٍ لِلْمَقْدُورِ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَهِيَ فَائِدَةُ الثَّوَاب على الرضى من قُسِمَ لَهُ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْحِسَابِ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ إِلَّا كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا»

. وَلَوْلَا هَذَا الْإِيمَاءُ لَقِيلَ: وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ [الطَّلَاق: ٧] . وَأَمَّا حَالُ الْكَافِرِينَ فَإِنَّهُمْ يُنْعِمُ عَلَى بَعْضِهِمْ بِرِزْقٍ يُحَاسَبُونَ عَلَيْهِ أَشَدَّ