وَالتَّفْضِيلُ فِي قَوْلِهِ بِأَعْلَمَ مُرَاعًى فِيهِ عِلْمُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ بِبَعْضِ مَا فِي صُدُورِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ أُوتُوا فِرَاسَةً وَصِدْقَ نَظَرٍ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ اسْمَ التَّفْضِيلِ مَسْلُوبُ الْمُفَاضَلَةِ، أَيْ أَلَيْسَ اللَّهُ عَالِمًا عِلْمًا تَفْصِيلِيًّا لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خافية.
[١١]
[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ١١]
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١)
خُصَّ بِالذِّكْرِ فَرِيقَانِ هُمَا مِمَّنْ شَمِلَهُ عُمُومُ قَوْله الْعالَمِينَ [العنكبوت: ١٠] اهْتِمَامًا بِهَاذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ وَحَالَيْهِمَا: فَرِيقُ الَّذِينَ آمَنُوا، وَفَرِيقُ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْفَرِيقَيْنِ من إِيمَان وَنِفَاقٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ الْمُنَاسِبُ لِحَالَيْهِمَا فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، فَذَلِكَ تَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ.
وَوَجْهُ تَأْكِيدِ كِلَا الْفِعْلَيْنِ بِلَامِ الْقَسَمِ وَنُونِ التَّوْكِيدِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ رَدُّ اعْتِقَادِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُطْلِعُ رَسُولَهُ عَلَى مَا فِي نُفُوسِهِمْ، فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرَيْنِ هُوَ ثَانِيهُمَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا فَهُوَ تَمْهِيدٌ لِمَا بَعْدَهُ وَتَنْصِيصٌ عَلَى عَدَمِ الْتِبَاسِ الْإِيمَانِ الْمَكْذُوبِ بِالْإِيمَانِ الْحَقِّ.
وَفِي هَذَا أَيْضًا إِرَادَةُ الْمَعْنَى الْكِنَائِيِّ مِنَ الْعِلْمِ وَهُوَ مُجَازَاةُ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى حَسَبِ مَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ حَالِهِ.
وَجِيءَ فِي جَانِبِ هَاذَيْنِ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُسْتَقْبَلِ إِذْ نُونُ التَّوْكِيدِ لَا يُؤَكَّدُ بِهَا الْخَبَرُ الْمُثْبَتُ إِلَّا وَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ إِمَّا لِأَنَّ الْعِلْمَ مُكَنًّى بِهِ عَنْ لَازِمِهُ وَهُوَ مُقَابَلَةُ كُلِّ فَرِيقٍ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ بِحَسَبِ مَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ وَالْمُجَازَاةُ أَمْرُ مُسْتَقْبَلٍ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُرَادَ عِلْمٌ بِمُسْتَقْبَلٍ وَهُوَ اخْتِلَافُ أَحْوَالِهِمْ يَوْمَ يَجِيءُ النَّصْرُ، فَلَعَلَّ مَنْ كَانُوا مُنَافِقِينَ وَقْتَ نُزُولِ الْآيَةِ يَكُونُونَ مُؤْمِنِينَ يَوْمَ النَّصْرِ وَيَبْقَى قَوْمٌ عَلَى نِفَاقِهِمْ.
وَالْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ الْأَوَّلِينَ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ الْمَاضَوِيَّةِ وَعَنِ الْآخَرِينَ بِطَرِيقِ اللَّامِ وَاسْمِ الْفَاعِلِ لِمَا يُؤْذِنُ بِهِ الْمَوْصُولُ مِنِ اشْتِهَارِهِمْ بِالْإِيمَانِ وَمَا يُؤْذِنُ بِهِ الْفِعْلُ الْمَاضِي مِنْ تَمَكُّنِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ وَسَابِقِيَّتِهِ، وَمَا يُؤْذِنُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute