وَالْغُرُورُ: ظَنُّ النَّفْسِ وُقُوعِ أَمْرٍ نَافِعٍ لَهَا بِمَخَائِلِ تَتَوَهُّمِهَا، وَهُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أَوْ هُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ فِي آخِرِ آلِ عِمْرَانَ [١٩٦] وَقَوْلِهِ: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً فِي الْأَنْعَامِ [١١٢] وَقَوْلِهِ: فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فِي سُورَةِ فَاطِرٍ [٥] .
وَالظَّرْفِيَّةُ مَجَازِيَّةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي شِدَّةِ التَّلَبُّسِ بِالْغُرُورِ حَتَّى كَأَنَّ الْغُرُورَ مُحِيطٌ بِهِمْ إِحَاطَةَ الظَّرْفِ.
وَالْمَعْنَى: مَا الْكَافِرُونَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي حَالِ الْغُرُورِ، وَهَذَا قَصْرٌ إِضَافِيٌّ لِقَلْبِ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ فِي مَأْمَنٍ مِنَ الْكَوَارِثِ بحماية آلِهَتهم.
[٢١]
[سُورَة الْملك (٦٧) : آيَة ٢١]
أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١)
أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ انْتِقَالٌ آخَرُ وَالْكَلَامُ عَلَى أسلوب قَوْله: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ [الْملك:
٢٠] ، وَهَذَا الْكَلَامُ نَاظِرٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الْملك: ١٥] عَلَى طَرِيقَةِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمَعْكُوسِ.
وَالرِّزْقُ: مَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَطَرِ، وَعَلَى الطَّعَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً [آل عمرَان: ٣٧] .
وَضَمِيرُ أَمْسَكَ وَضَمِيرُ رِزْقَهُ عَائِدَانِ إِلَى لفظ الرَّحْمنِ الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ:
مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ [الْملك: ٢٠] .
وَجِيءَ بِالصِّلَةِ فِعْلًا مُضَارِعًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّجَدُّدِ لِأَنَّ الرِّزْقَ يَقْتَضِي التِّكْرَارَ إِذْ حَاجَةُ الْبَشَرِ إِلَيْهِ مُسْتَمِرَّةٌ. وَكُتِبَ أَمَّنْ فِي الْمُصْحَفِ بِصُورَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَة كَمَا كتبت نَظِيرَتُهَا الْمُتَقَدِّمَةُ آنِفًا.
بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ.
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ وَقَعَ جَوَابًا عَن سُؤال ناشىء عَنْ الدَّلَائِلِ وَالْقَوَارِعِ وَالزَّوَاجِرِ وَالْعِظَاتِ وَالْعِبَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الْملك: ٢] إِلَى هُنَا، فَيَتَّجِهُ لِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُمْ نَفَعَتْ عِنْدَهُمْ الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ، وَاعْتَبَرُواْ بِالْآيَاتِ وَالْعِبَرِ، فَأُجِيبَ بِإِبْطَالِ ظَنِّهِ بِأَنَّهُمْ لَجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ.