وَمِنَ الْقَضَاءِ الْقَضَاءُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا هِيَ بِهِ حَقِيقَةٌ مِنْ مَرْتَبَةِ الثَّوَابِ أَوِ الْعِقَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ. فَقَضَاءُ اللَّهِ هُوَ الْقَضَاءُ الْعَامُّ الَّذِي لَا يَقْتَصِرُ عَلَى أَنْصَافِ الْمُتَدَاعِينَ كَقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَا عَلَى سُلُوكِ الدَّاعِرِينَ كَقَضَاءِ وَالِي الشُّرْطَةِ، وَلَا عَلَى مُرَاقَبَةِ الْمُغِيرِينَ كَقَضَاءِ وَالِي الْحِسْبَةِ، وَلَكِنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى كُلِّ نفس فِيمَا اعْتَدَتْ وَفِيمَا سَلَكَتْ وَفِيمَا بَدَّلَتْ، وَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا اخْتَلَتْ بِهِ مِنْ عَمَلٍ وَبِمَا أَضْمَرَتْهُ مِنْ ضَمَائِرَ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. وَإِلَى ذَلِكَ تُشِيرُ الْمَرَاتِبُ الثَّلَاثُ فِي الْآيَةِ: مَرْتَبَةُ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، وَمَرْتَبَةُ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ، وَمَرْتَبَةُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ.
وَالتَّوْفِيَةُ: إِعْطَاءُ الشَّيْءِ وَافِيًا لَا نَقْصَ فِيهِ عَنِ الْحَقِّ فِي إِعْطَائِهِ وَلَا عَنْ عَطَاءِ أَمْثَالِهِ.
وَفِي قَوْلِهِ: مَا عَمِلَتْ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، أَيْ جَزَاء مَا عملت لظُهُور أَن مَا عَمِلَهُ الْمَرْءُ لَا يُوَفَّاهُ بَعْدَ أَنْ عَمِلَهُ وَإِنَّمَا يُوَفَّى جَزَاءَهُ.
وَالْقَوْلُ فِي الْأَفْعَالِ الْمَاضَوِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: وَأَشْرَقَتِ، وَوُضِعَ، وَجَاء، وَوُفِّيَتْ كَالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [الزمر: ٦٨] .
[٧١- ٧٢]
[سُورَة الزمر (٣٩) : الْآيَات ٧١ إِلَى ٧٢]
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢)
هَذَا تَنْفِيذُ الْقَضَاءِ الَّذِي جَاءَ فِي قَوْلِهِ: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ [الزمر: ٦٩] وَقَوْلِهِ:
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ [الزمر: ٧٠] ، فَإِنَّ عَاقِبَةَ ذَلِكَ وَنَتِيجَتَهُ إِيدَاعُ الْمُجْرِمِينَ فِي الْعِقَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute