للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ أَيْ لَمْ يُعْقِبْهُ بِمَا يُبَيِّنُ إِبْهَامَهُ نَحْوَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى [عبس: ٣] . وَلَعَلَّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ خَصَّ كُلَّ صِيغَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ بِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ فَتَأَمَّلْ.

وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ يُعْلِمُكَ أَيُّهَا السَّامِعُ السَّاعَةَ قَرِيبًا، أَيْ مُقْتَضِي عِلْمِكَ مُتَوَفِّرٌ، فَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠٩] .

وَالْإِخْبَارُ عَنِ السَّاعَةَ بِ قَرِيبٌ وَهُوَ غَيْرُ مُؤَنَّثٍ لِأَنَّهُ غَلَبَ لُزُومُ كَلِمَةِ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ لِلتَّذْكِيرِ بِاعْتِبَارِ شَيْءٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الْأَحْزَاب:

٦٣] وَقَوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٥٦] .

[١٨]

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ١٨]

يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨)

يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ.

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ يَسْتَعْجِلُ بِهَا إِلَى آخِرِهَا حَالًا من السَّاعَةَ [الشورى: ١٧] .

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِجُمْلَةِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى: ١٧] لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ التَّنْبِيهِ وَالتَّهْيِئَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَرِيقَيِ الْمُؤْمِنِينَ بِالسَّاعَةِ، وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا، فَذَكَرَ فِيهَا حَالَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ تُجَاهَ ذَلِكَ التَّنْبِيهِ. فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَيَتَلَقَّوْنَهُ بِالِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّصْمِيمِ عَلَى الْجَحْدِ بِهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بَقَوْلِهِ: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها، وَالَّذِينَ آمَنُوا بِهَا يَعْمَلُونَ لِمَا بِهِ الْفَوْزُ عِنْدَهَا، وَلِذَلِكَ جِيءَ عَقِبَهَا بِجُمْلَةِ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ كَمَا سَيَأْتِي.

وَالِاسْتِعْجَالُ: طَلَبُ التَّعْجِيلِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ فِي سُورَةِ يُونُسَ [١١] ، أَيْ يَطْلُبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالسَّاعَةِ من النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ بِحُلُولِ السَّاعَةِ لِيَبِينَ صِدْقُهُ، تَهَكُّمًا وَاسْتِهْزَاءً وَكِنَايَةً عَنِ اتِّخَاذِهِمْ تَأَخُّرَهَا دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهَا، وَهُمْ آيِسُونَ مِنْهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي مُقَابِلِهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها. وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ هَذَا الْمَعْنَى بِأَسَالِيبَ ذُكِرَتْ فِي تَضَاعِيفِ آيِ الْقُرْآنِ