وَجُعِلَتِ الصِّلَةُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً لِدَلَالَتِهَا عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ، لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ صِفَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ لِأَنَّ قَرَارَهَا الْقَلْبُ، بِخِلَافِ الْمَعَاصِي لِأَنَّ مَظَاهِرَهَا الْجَوَارِحُ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ سُلْطَانَ الشَّيْطَانِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَشُدُّ وَأَدْوَمُ لِأَنَّ سَبَبَهُ ثَابِتٌ وَدَائِمٌ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي بِهِ مُشْرِكُونَ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ، أَيْ مَا أَشْرَكُوا إِلَّا بِسَبَبِهِ، رَدًّا عَلَيْهِمْ إِذْ يَقُولُونَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا [سُورَة الْأَنْعَام: ١٤٨] وَقَوْلُهُمْ: لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [سُورَة النَّحْل: ٣٥] وَقَوْلُهُمْ: وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها [سُورَة الْأَعْرَاف: ٢٨] .
[١٠١]
[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ١٠١]
وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٠١)
اسْتَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَى شَأْنِ الْقُرْآنِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا يُوَسْوِسُهُ الشَّيْطَانُ فِي الصَّدِّ عَنْ مُتَابَعَتِهِ.
وَلَمَّا كَانَ مَنْ أَكْبَرِ الْأَغْرَاضِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَيَانُ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَبَيَانُ فَضْلِهِ وَهَدْيِهِ فَابْتُدِئَ فِيهَا بِآيَةِ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ [سُورَة النَّحْل: ٢] ، ثُمَّ
قُفِيَتْ بِمَا اخْتَلَقَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الطَّعْنِ فِيهِ بَعْدَ تَنَقُّلَاتٍ جَاءَ فِيهَا وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [سُورَة النَّحْل: ٢٤] ، وَأُتْبِعُ ذَلِكَ بِتَنَقُّلَاتٍ بَدِيعَةٍ فَأُعِيدُ الْكَلَامَ عَلَى الْقُرْآنِ وَفَضَائِلِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ [سُورَة النَّحْل: ٦٤] ثُمَّ قَوْلُهُ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [سُورَة النَّحْل:
٨٩] . وَجَاءَ فِي عَقِبِ ذَلِكَ بِشَاهِدٍ يَجْمَعُ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَذَلِكَ آيَةُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [سُورَة النَّحْل: ٩٠] ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ مَا يَقْتَضِي تَقَرُّرَ فَضْلِ الْقُرْآنِ فِي النُّفُوسِ نَبَّهَ عَلَى نَفَاسَتِهِ وَيُمْنِهِ بِقَوْلِهِ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [سُورَة النَّحْل: ٩٨] ، لَا جَرَمَ تَهَيَّأَ الْمَقَامُ لِإِبْطَالِ اخْتِلَاقٍ آخَرَ مِنِ اخْتِلَاقِهِمْ عَلَى الْقُرْآنِ اخْتِلَاقًا مُمَوَّهًا بِالشُّبَهَاتِ كَاخْتِلَاقِهِمُ السَّابِقِ الَّذِي أُشِيرُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [سُورَة النَّحْل: ٢٤] . ذَلِكَ الِاخْتِلَاقُ هُوَ تَعَمُّدُهُمُ التَّمْوِيهَ فِيمَا يَأْتِي مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute