وَ (إِلَيْهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِ يَرْجِعُونَ وتقديمه على مُتَعَلِّقِهِ لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ.
وَضَمِيرُ إِلَيْهِمْ عَائِد إِلَى الْعِبادِ [يس: ٣٠] ، وَضَمِيرُ أَنَّهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْقُرُونِ.
[٣٢]
[سُورَة يس (٣٦) : آيَة ٣٢]
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢)
أَرَى أَنَّ عَطْفَهُ عَلَى جُمْلَةِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ [يس: ٣١] وَاقِعٌ مَوْقِعَ الِاحْتِرَاسِ مِنْ تَوَهُّمِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ مُؤَيِّدٌ اعْتِقَادَهُمُ انْتِفَاءَ الْبَعْثِ.
وإِنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ وَالْأَفْصَحُ إِهْمَالُهَا عَنِ الْعَمَلِ فِيمَا بَعْدَهَا، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَقْتَرِنَ خبر الِاسْم بعْدهَا بِلَامٍ تُسَمَّى اللَّامَ الْفَارِقَةَ لِأَنَّهَا تُفَرِّقُ بَيْنَ إِنْ الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبَيْنَ إِنْ النَّافِيَةِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ الْخَبَرُ الْمُؤَكَّدُ بِالْخَبَرِ الْمَنْفِيِّ فَيُنَاقِضَ مَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ: لَمَّا مُخَفَّفُ الْمِيمِ كَمَا قَرَأَ الْجُمْهُورُ لَمَّا جَمِيعٌ بتَخْفِيف مِيم لَمَّا، فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ اللَّام الفارقة و (مَا) الزَّائِدَةِ لِلتَّأْكِيدِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِنْ نَافِيَةً بِمَعْنَى (لَا) وَيَكُونُ لَمَّا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ بِمَعْنَى (إِلَّا) تَقَعُ بَعْدَ النَّفْيِ وَنَحْوِهِ كَالْقَسَمِ. وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ.
وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا كُلُّهُمْ إِلَّا مُحْضَرُونَ لَدَيْنَا.
وكُلٌّ مُبْتَدَأٌ وَتَنْوِينُهُ تَنْوِينُ الْعِوَضِ عَمَّا أُضِيفَ إِلَيْهِ (كُلٌّ) ، أَيْ كُلُّ الْقُرُونِ، أَوْ كُلُّ الْمَذْكُورِينَ مِنَ الْقُرُونِ وَالْمُخَاطَبِينَ.
وجَمِيعٌ اسْمٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، أَيْ مَجْمُوعٌ، وَهُوَ ضِدُّ الْمُتَفَرِّقِ. يُقَالُ: جَمْعُ أَشْيَاءَ كَذَا، إِذَا جَعَلَهَا مُتَقَارِبَةً مُتَّصِلَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُشَتَّتَةً وَمُتَبَاعِدَةً.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ الْقُرُونِ مُحْضَرُونَ لَدَيْنَا مُجْتَمِعِينَ، أَيْ لَيْسَ إِحْضَارُهُمْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا فِي أَمْكِنَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَكَلِمَةُ كُلٌّ أَفَادَتْ أَنَّ الْإِحْضَارَ مُحِيطٌ بِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَنْفَلِتُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، وَكَلِمَةُ جَمِيعٌ أَفَادَتْ أَنَّهُمْ مُحْضَرُونَ مُجْتَمِعِينَ فَلَيْسَتْ إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ بِمُغْنِيَّةٍ عَنْ ذِكْرِ الْأُخْرَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ: وَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute