للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٨١]

وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٨١)

جِيءَ بِقَوْلِهِ: وَاتَّقُوا يَوْماً تَذْيِيلًا لِهَاتِهِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِلتَّرْهِيبِ مِنِ ارْتِكَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ وَالتَّرْغِيبِ فِي فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ نُدِبَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ سَلَامَةً مِنْ آثَامِهَا، وَفِي فِعْلِ الْمَطْلُوبَاتِ اسْتِكْثَارًا مِنْ ثَوَابِهَا، وَالْكُلُّ يَرْجِعُ إِلَى اتِّقَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تُطْلَبُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَكَثْرَةُ أَسْبَابِ النَّجَاحِ.

وَفِي «الْبُخَارِيِّ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ فَقَالَ جِبْرِيلُ: «يَا مُحَمَّدُ ضَعْهَا عَلَى رَأْسِ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْبَقَرَةِ» . وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَمُقَاتِلٌ. وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ بَعْدَ نُزُولِهَا وَاحِدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ وَاحِدًا وَثَمَانِينَ، وَقِيلَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ تِسْعَةً، وَقِيلَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ آخِرَ آيَةٍ هِيَ آيَةُ الْكَلَالَةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدِ اسْتَقْصَى الْأَقْوَالَ صَاحِبُ الْإِتْقَانِ.

وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ تُرْجَعُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ.

[٢٨٢]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٨٢]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢)

لَمَّا اهْتَمَّ الْقُرْآنُ بِنِظَامِ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ فَابْتَدَأَ بِمَا بِهِ قِوَامُ عَامَّتِهِمْ مِنْ

مُوَاسَاةِ الْفَقِيرِ وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ، وَوَضُحَ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِلْمُعْتَبِرِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ