وَالنُّزُلُ: تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
وَقَوْلُهُ: لَا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا أَي لَيْسَ بعد مَا حَوَتْهُ تِلْكَ الْجَنَّاتُ مِنْ ضُرُوبِ اللَّذَّاتِ وَالتَّمَتُّعِ مَا تَتَطَلَّعُ النُّفُوسُ إِلَيْهِ فَتَوَدُّ مُفَارَقَةَ مَا هِيَ فِيهِ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، أَيْ هُمْ يَجِدُونَ فِيهَا كُلَّ مَا يُخَامِرُ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْمُشْتَهَى.
وَالْحِوَلُ: مَصْدَرٌ بِوَزْنِ الْعِوَجِ وَالصِّغَرِ. وَحَرْفُ الْعِلَّةِ يُصَحَّحُ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ لَكِنَّ الْغَالِبَ فِيمَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الزِّنَةِ مَصْدَرًا التَّصْحِيحُ مِثْلَ: الْحِوَلِ، وَفِيمَا كَانَ مِنْهَا جَمْعًا الْإِعْلَالُ نَحْوَ: الْحِيَلُ جَمْعُ حِيلَةٍ. وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ مُشْتَقٌّ من التَّحَوُّل.
[١٠٩]
[سُورَة الْكَهْف (١٨) : آيَة ١٠٩]
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩)
لما ابْتُدِئَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِالتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ ثُمَّ أُفِيضَ فِيهَا مِنْ أَفَانِينِ الْإِرْشَادِ وَالْإِنْذَارِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَذُكِرَ فِيهَا مِنْ أَحْسَنِ الْقَصَصِ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ وَمَوْعِظَةٌ، وَمَا هُوَ خَفِيٌّ مِنْ أَحْوَالِ الْأُمَمِ، حَوْلَ الْكَلَامِ إِلَى الْإِيذَانِ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ مِنْ عَظِيمِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَهَذَا اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ وَهُوَ انْتِقَالٌ إِلَى التَّنْوِيهِ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مُفِيضِ الْعِلْمِ على رَسُوله صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنْ أَشْيَاءَ يَظُنُّونَهَا مُفْحِمَةً لِلرَّسُولِ وَأَنْ لَا قِبَلَ لَهُ بِعِلْمِهَا عَلَّمَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، وَأَخْبَرَ عَنْهَا أَصْدَقَ خَبَرٍ، وَبَيَّنَهَا بِأَقْصَى مَا تَقْبَلُهُ أَفْهَامُهُمْ وَبِمَا يَقْصُرُ عَنْهُ عِلْمُ الَّذِينَ أَغْرَوُا الْمُشْرِكِينَ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا، وَكَانَ آخِرَهَا خَبَرُ ذِي الْقَرْنَيْنِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا يُعْلَمُ مِنْهُ سَعَةَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَعَةِ مَا يَجْرِي عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute