للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : الْآيَات ١٠٧ إِلَى ١٠٩]

قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩)

اسْتِئْنَافُ خطاب للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُلَقِّنَهُ بِمَا يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِأَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَوْضَحَ لَهُمُ الدَّلَائِلَ عَلَى أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْقُرْآنِ لَا يَكُونُ إِلَّا مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الْإِسْرَاء: ٨٨] فَعَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِمثلِهِ، ثمَّ بِبَيَان فَضَائِلِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [الْإِسْرَاء: ٨٩] ، ثُمَّ بِالتَّعَرُّضِ إِلَى مَا اقْتَرَحُوهُ مِنَ الْإِتْيَانِ بِمُعْجِزَاتٍ أخر، ثمَّ بكشف شُبْهَتَهُمُ الَّتِي يُمَوِّهُونَ بِهَا امْتِنَاعَهُمْ مِنَ الْإِيمَان برسالة بشر، وَبَيَّنَ لَهُمْ غَلَطَهُمْ أَوْ مُغَالَطَتَهُمْ، ثُمَّ بِالْأَمْرِ بِإِقَامَةِ اللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، ثُمَّ بِتَهْدِيدِهِمْ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ بِتَمْثِيلِ حَالِهِمْ مَعَ رَسُولِهِمْ بِحَالِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مَعَ مُوسَى وَمَا عُجِّلَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا بِالِاسْتِئْصَالِ، ثُمَّ بِكَشْفِ شُبْهَتِهِمْ فِي تَنْجِيمِ الْقُرْآنِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِتَفْوِيضِ النَّظَرِ فِي تَرْجِيحِ الْإِيمَانِ بِصِدْقِ الْقُرْآنِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ:

آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ إِيمَانِهِمْ وَعَدَمِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. فَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ:

آمِنُوا لِلتَّسْوِيَةِ، أَيْ إِنْ شِئْتُمْ.

وَجُزِمَ لَا تُؤْمِنُوا بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَجْزُومِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الطُّورِ [١٦] فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ، فَحَرْفُ (لَا) حَرْفُ نَفْيٍ وَلَيْسَ حَرْفَ نَهْيٍ، وَلَا يَقَعُ مَعَ الْأَمْرِ الْمُرَادِ بِهِ التَّسْوِيَةُ إِلَّا كَذَلِكَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ وَاحْتِقَارِهِمْ وَقِلَّةِ

الْمُبَالَاةِ بِهِمْ، وَيَنْدَمِجُ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ تَسْلِيَة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.