للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ فِي [سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ٩١] . أَيْ لَنْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ الْخَلْقَ وَهُمْ مُفْتَرِقُونَ، بَلْ وَلَوِ اجْتَمَعُوا مِنْ مُفْتَرَقِ الْقَبَائِلِ وَتَعَاوَنُوا عَلَى خَلْقِ الذُّبَابِ لَنْ يَخْلُقُوهُ.

وَالِاسْتِنْقَاذُ: مُبَالَغَةٌ فِي الْإِنْقَاذِ مِثْلُ الِاسْتِحْيَاءِ وَالِاسْتِجَابَةِ.

وَجُمْلَةُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ تَذْيِيلٌ وَفَذْلَكَةٌ لِلْغَرَضِ مِنَ التَّمْثِيلِ، أَيْ ضَعُفَ الدَّاعِي وَالْمَدْعُوُّ، إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً إِلَخْ، أَيْ ضَعُفْتُمْ أَنْتُمْ فِي دَعْوَتِهِمْ آلِهَةً وَضَعُفَتِ الْأَصْنَامُ عَنْ صِفَاتِ الْإِلَهِ.

وَهَذِهَ الْجُمْلَةُ كَلَامٌ أُرْسِلَ مَثَلًا، وَذَلِكَ مِنْ بلاغة الْكَلَام.

[٧٤]

[سُورَة الْحَج (٢٢) : آيَة ٧٤]

مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤)

تَذْيِيلٌ لِلْمَثَلِ بِأَنَّ عِبَادَتَهُمُ الْأَصْنَامَ مَعَ اللَّهِ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ إِلَهِيَّتِهِ تَعَالَى إِذْ أَشْرَكُوا مَعَهُ فِي أَعْظَمِ الْأَوْصَافِ أَحْقَرَ الْمَوْصُوفِينَ، وَإِذِ اسْتَكْبَرُوا عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَاتِهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَإِذْ هَمُّوا بِالْبَطْشِ بِرَسُولِهِ.

وَالْقَدْرُ: الْعَظَمَةُ، وَفِعْلُ قَدَرَ يُفِيدُ أَنَّهُ عَامِلٌ بِقَدْرِهِ. فَالْمَعْنَى: مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ إِذْ أَشْرَكُوا مَعَهُ الضُّعَفَاءَ الْعُجَّزَ وَهُوَ الْغَالِبُ الْقَوِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي قَوْلِهِ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ فِي [سُورَةِ الْأَنْعَامِ: ٩١] .

وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ تَعْلِيلٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا، فَإِنَّ مَا أَشْرَكُوهُمْ مَعَ اللَّهِ

فِي الْعِبَادَةِ كُلُّ ضَعِيفٍ ذَلِيلٍ فَمَا قَدَرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ فَكَيْفَ يُشَارِكُهُ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ. وَالْعُدُولُ عَنْ أَنْ يُقَالَ: مَا قَدَرْتُمُ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إِلَى أُسْلُوبِ الْغَيْبَةِ، الْتِفَاتٌ تَعْرِيضًا بِهِمْ بِأَنَّهُمْ