للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَدِلَّةِ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ.

وَقَدْ قَسَّمُوا نَسْخَ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَمَدْلُولَاتِهَا إِلَى أَقْسَامٍ: نَسْخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ مَعًا وَهُوَ الْأَصْلُ وَمَثَّلُوهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ وَبَقَاءُ التِّلَاوَةِ وَهَذَا وَاقِعٌ لِأَنَّ إِبْقَاءَ التِّلَاوَةِ يُقْصَدُ مِنْهُ بَقَاءُ الْإِعْجَازِ بِبَلَاغَةِ الْآيَةِ وَمِثَالُهُ آيَةُ: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ [الْأَنْفَال: ٦٥] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. وَنَسْخُ التِّلَاوَةِ وَبَقَاءُ الْحُكْمِ وَمَثَّلُوهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: كَانَ فِيمَا يُتْلَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَسْخِ التِّلَاوَةِ وَبَقَاءِ الْحُكْمِ وَقَدْ تَأَوَّلُوا قَوْلَ عُمَرَ كَانَ فِيمَا يُتْلَى أَنَّهُ كَانَ يُتْلَى بَيْنَ النَّاسِ تَشْهِيرًا بِحُكْمِهِ. وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَرَى أَنَّ الْآيَةَ إِذَا نُسِخَ حُكْمُهَا لَا تَبْقَى كِتَابَتُهَا فِي الْمُصْحَفِ فَفِي الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قُلْتُ لِعُثْمَانَ: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً [الْبَقَرَة: ٢٣٤] نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ.

[١٠٧]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٠٧]

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧)

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧) .

مَسُوقٌ لبَيَان حِكْمَة النّسخ وَالْإِتْيَانِ بِالْخَيْرِ وَالْمِثْلِ بَيَانًا غَيْرَ مُفَصَّلٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ النَّسْخَ الَّذِي اسْتَبْعَدُوهُ وَتَذَرَّعُوا بِهِ لِتَكْذِيبِ الرَّسُولِ هُوَ غَيْرُ مُفَارِقٍ لِتَعْوِيضِ الْمَنْسُوخِ بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ أَوْ تَعْزِيزِ الْمُبَقَّى بِمِثْلِهِ أُرِيدَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى كَشْفِ مَا بَقِيَ مِنَ الشُّبْهَةِ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْمُنْكِرُ وَمَا هِيَ الْفَائِدَةُ فِي النَّسْخِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلتَّعْوِيضٍ؟ وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَتَصَدَّى لِبَيَانِ اخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ وَمُنَاسَبَتِهَا لِلْأَحْوَالِ وَالْأَعْصَارِ وَلِبَيَانِ تَفَاصِيلِ الْخَيْرِيَّةِ وَالْمِثْلِيَّةِ فِي كُلِّ نَاسِخٍ وَمَنْسُوخٍ. وَلَمَّا

كَانَ التَّصَدِّي لِذَلِكَ أَمْرًا لَمْ تَتَهَيَّأْ لَهُ عُقُولُ السَّامِعِينَ لِعُسْرِ إِدْرَاكِهِمْ مَرَاتِبَ الْمَصَالِحِ وَتَفَاوُتِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْصِيلِ قَوَاعِدٍ مِنْ أُصُولٍ شَرْعِيَّةٍ وَسِيَاسِيَّةٍ، عَدَلَ بِهِمْ عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ وَأُجْمِلَتْ لَهُمُ الْمَصْلَحَةُ بِالْحِوَالَةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا يَشِذُّ عَنْهَا مُمْكِنٌ مُرَادٌ، وَعَلَى سَعَةِ مُلْكِهِ الْمُشْعِرِ بِعَظِيمِ عِلْمِهِ، وَعَلَى حَاجَةِ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَيْهِ إِذْ لَيْسَ لَهُمْ رَبٌّ سِوَاهُ وَلَا وَلِيٌّ دُونَهُ وَكَفَى بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ يَحْمِلُهُمْ