وَجُمْلَةُ: وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ، أَيْ
فَمَا ظَنُّكُمْ بِرُجُوعِكُمْ إِلَى الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَقَدْ عَصَيْتُمْ أَمْرَهُ أَلَيْسَ يُعَذِّبُكُمْ عذَابا كَبِيرا.
[٥]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ٥]
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥)
حَوْلَ أُسْلُوبِ الْكَلَامِ عَنْ مُخَاطَبَةِ النَّبِيءِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِمَا أَمَرَ بِتَبْلِيغِهِ إِلَى إِعْلَامِهِ بِحَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الَّذِينَ أُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ إِلَيْهِمْ فِي جَهْلِهِمْ بِإِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِكُلِّ حَالٍ مِنَ الْكَائِنَاتِ مِنَ الذَّوَاتِ وَالْأَعْمَالِ ظَاهِرِهَا وَخَفِيِّهَا، فَقَدَّمَ لِذَلِكَ إِبْطَالَ وَهْمٍ مِنْ أَوْهَامِ أَهْلِ الشِّرْكِ أَنَّهُمْ فِي مُكْنَةٍ مِنْ إِخْفَاءِ بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ قَوْلُهُ:
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ إِلَخْ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ: يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، جَمْعًا بَيْنَ إِخْبَارِهِمْ بِإِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ بِالْأَشْيَاءِ وَبَيْنَ إِبْطَالِ تَوَهُّمَاتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ بِصِفَاتِ اللَّهِ. وَقَدْ نَشَأَ هَذَا الْكَلَامُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [هود: ٤] لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْمَرْجُوعَ إِلَيْهِ لَمَّا كَانَ مَوْصُوفًا بِتَمَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ أَيْضًا مَوْصُوفٌ بِإِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ لِلتَّلَازُمِ بَيْنَ تَمَامِ الْقُدْرَةِ وَتَمَامِ الْعِلْمِ.
وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ أَلا لِلِاهْتِمَامِ بِمَضْمُونِهِ لِغَرَابَةِ أَمْرِهِمُ الْمَحْكِيِّ وَلِلْعِنَايَةِ بِتَعْلِيمِ إِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَضَمَائِرُ الْجَمَاعَةِ الْغَائِبِينَ عَائِدَةٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَمَرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِبْلَاغِ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [هود: ٢] وَلَيْسَ بِالْتِفَاتٍ. وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ لِلْمُفْرَدِ عَائِدَةٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ [هود: ٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute