وَمِنْ بَدَاعَةِ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّهُ صَالِحٌ لِأَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ جَمْعُهُ وَتَفْرِيقُهُ، بِأَنْ يُجْعَلَ تَمْثِيلًا وَاحِدًا لِحَالَةِ مَجْمُوعَةٍ أَوْ تَمْثِيلَيْنِ لِحَالَتَيْنِ، وَقَبُولُ التَّمْثِيلِ لِلتَّفْرِيقِ أَتَمُّ بَلَاغَةً. وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَلْتَئِمُ لَهُمْ أَمْرُ حَرْبٍ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ نِكَايَةَ عَدُوٍّ، وَلَوْ حَارَبُوا أَوْ حُورِبُوا انْهَزَمُوا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا كَقَوْلِهِ: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا [آل عمرَان: ١١٢] .
وَأَمَّا مَا يُرْوَى أَنَّ مَعَدًّا كُلَّهَا لمّا حَاربُوا مذبح يَوْمَ (خَزَازَى) ، وَسِيَادَتُهُمْ لِتَغْلِبَ وَقَائِدُهُمْ كُلَيْبٌ، أَمَرَ كُلَيْبٌ أَنْ يُوقِدُوا نَارًا عَلَى جَبَلِ خَزَازَى لِيَهْتَدِيَ بِهَا الْجَيْشُ لِكَثْرَتِهِ، وَجَعَلُوا الْعَلَامَةَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُمْ إِذَا دَهَمَتْهُمْ جُيُوشُ مَذْحِجَ أَوْقَدُوا نَارَيْنِ عَلَى (خَزَازَى) ، فَلَمَّا دَهَمَتْهُمْ مَذْحِجُ أَوْقَدُوا النَّارَ فَتَجَمَّعَتْ مَعَدٌّ كُلُّهَا إِلَى سَاحَةِ الْقِتَالِ وَانْهَزَمَتْ مَذْحِجُ. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ بِقَوْلِهِ:
وَنَحْنُ غَدَاةَ أُوقِدَ فِي خَزَازَى ... رَفَدْنَا فَوْقَ رَفْدِ الرَّافِدِينَا
فَتِلْكَ شِعَارٌ خَاصٌّ تَوَاضَعُوا عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ فَلَا يُعَدُّ عَادَةً فِي جَمِيعِ الْحُرُوبِ. وَحَيْثُ لَا تُعْرَفُ نَارٌ لِلْحَرْبِ تَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى التَّمْثِيلِ، وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَلَيْسَ الْكَلَامُ بِحَقِيقَةٍ وَلَا كِنَايَةٍ.
وَقَوْلُهُ: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً [الْمَائِدَة:
٣٣] .
[٦٥]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٦٥]
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥)
عَقَّبَ نَهْيَهُمْ وَذَمَّهُمْ بِدَعْوَتِهِمْ لِلْخَيْرِ بِطَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ إِذْ جَاءَ بِحَرْفِ الِامْتِنَاعِ فَقَالَ:
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا، وَالْمُرَادُ الْيَهُودُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: آمَنُوا الْإِيمَانُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «اثْنَانِِِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute