للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ يَصْلَوْنَها، أَيْ يَصْلَوْنَ حَرَّهَا وَلَا يُفَارِقُونَهَا، أَيْ وَهُمْ خَالِدُونَ فِيهَا.

وَجِيءَ بِقَوْلِهِ وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً دُونَ أَنْ يُقَالَ: وَمَا يَغِيبُونَ عَنْهَا، أَوْ وَمَا يُفَارِقُونَهَا، لِإِفَادَةِ الِاسْمِيَّةِ الثَّبَاتَ سَوَاءٌ فِي الْإِثْبَاتِ أَوِ النَّفْيِ، فَالثَّبَاتُ حَالَةٌ لِلنِّسْبَةِ الْخَبَرِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ نِسْبَةَ إِثْبَاتٍ أَوْ نِسْبَةَ نَفْيٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٧] .

وَزِيَادَةُ الْبَاءِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ.

وَتَقْدِيمُ عَنْها عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْمَجْرُورِ، وَلِلرِّعَايَةِ على الفاصلة.

[١٧]

[سُورَة الانفطار (٨٢) : آيَة ١٧]

وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧)

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالِيَّةً، وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعْتَرِضَةً إِذَا جُعِلَ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً [الانفطار: ١٩] بَدَلًا مِنْ يَوْمَ الدِّينِ الْمَنْصُوبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي.

وَمَا أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ: تَرْكِيبٌ مُرَكَّبٌ مِنْ مَا الاستفهامية وَفعل الدارية الْمُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَصَارَ فَاعِلُهُ مَفْعُولًا زَائِدًا عَلَى مَفْعُولَيْ دَرَى، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ: أَعْلَمُ وَأَرَى، فَالْكَافُ مَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ عُلِّقَ عَلَى الْمَفْعُولَيْنِ الْآخَرَيْنِ بِ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ الثَّانِيَةِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ الْأَوَّلُ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنْ تَعْظِيمِ أَمْرِ الْيَوْمِ وَتَهْوِيلِهِ بِحَيْثُ يَسْأَلُ الْمُتَكَلِّمُ مَنْ يَسْمَعُهُ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي يحصّل لَهُ الدارية بِكُنْهِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَا تَصِلُ إِلَى كُنْهِهِ دِرَايَةُ دَارٍ.

وَالِاسْتِفْهَامُ الثَّانِي حَقِيقِيّ، أَي سئال سَائِلٍ عَنْ حَقِيقَةِ يَوْمِ الدِّينِ كَمَا تَقُولُ: عَلِمْتُ هَلْ زِيدٌ قَائِمٌ، أَيْ عَلِمْتُ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ.

وَمِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ مِمَّا جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ فَلَا يُغَيَّرُ لَفْظُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُسْتَوْفًى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: ٣] .