للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ

إِدْمَاجٌ فِي خِلَالِ التَّمْثِيلِ يُكْسِبُ التَّمْثِيلَ تَفْظِيعًا وَتَشْوِيهًا وَلَيْسَ جُزْءًا مِنَ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا. وَقَدْ يَذْكُرُ الْبُلَغَاءُ مَعَ الْمُشَبَّهِ بِهِ صِفَاتٍ لَا يَقْصِدُونَ مِنْهَا غَيْرَ التَّحْسِينِ أَوِ التَّقْبِيحِ كَقَوْلِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ ... صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهُوَ مَشْمُولُ

تَنْفِي الرِّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ ... مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بَيْضٌ يَعَالِيلُ

فَأَجْرَى عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ الْمُشَبَّهِ بِهِ صِفَاتٍ لَا أَثَرَ لَهَا فِي التَّشْبِيهِ.

وَالسَّامِعُونَ عَالِمُونَ بِأَنَّ عِقَابَ الْأَقْوَامِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ غَايَةٌ فِي الشِّدَّةِ، فَذَكَرَ وَصْفَهُمْ بِظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ لِتَذْكِيرِ السَّامِعِينَ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَوْعِظَةِ، وَجِيء بقوله ثَلُ مَا يُنْفِقُونَ

غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ كَالْبَيَانِ لِقَوْلِهِ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ.

وَقَوْلُهُ مَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

الضَّمَائِرُ فِيهِ عَائِدَةٌ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَظْلِمْهُمْ حِينَ لَمْ يَتَقَبَّلْ نَفَقَاتِهِمْ بَلْ هُمْ تَسَبَّبُوا فِي ذَلِكَ، إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا لِأَنَّ الْإِيمَانَ جَعَلَهُ اللَّهُ شَرْطًا فِي قَبُولِ الْأَعْمَالِ، فَلَمَّا أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنْذَرَهُمْ لَمْ يَكُنْ عِقَابُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا لَهُمْ، وَفِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ الله لَا يُخَالف وَعْدَهُ مِنْ نَفْيِ الظُّلْمِ عَن نَفسه.

[١١٨]

[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ١١٨]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨)

الْآنَ إِذْ كَشَفَ اللَّهُ دَخَائِلَ مَنْ حَوْلَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَتَمَّ كَشْفٍ، جَاءَ مَوْقِعُ التَّحْذِيرِ مِنْ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِهِمْ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِلْقَاءِ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، لِلْإِخْبَارِ عَنْهُمِِْ