وَ (جَمِيعاً) تَأْكِيدٌ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعُمُومِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ وَنَصْبُهُ غَيْرُ بَعِيدٍ.
وَالْغَنِيُّ: الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ غِنَاهُ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنِ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِهِ.
وَالْحَمِيدُ: الْمَحْمُودُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ مَحْمُودٌ مِنْ غَيْرِكُمْ مُسْتَغْنٍ عَنْ حَمْدِكُمْ عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ كَفَرُوا بِهِ لَكَانُوا حَامِدِينَ بِلِسَانِ حَالِهِمْ كَرْهًا، فَإِنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ تَنَالُهُمْ فَيَحْمَدُونَهَا فَإِنَّمَا يَحْمَدُونَ اللَّهَ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [سُورَة الرَّعْد: ١٥] . وَهَذِهِ الْآيَةُ تَضَمَّنَتْ مَا فِي الْفِقْرَاتِ (٣٠ إِلَى ٣٣) مِنَ الْإِصْحَاحِ (٣٢) مِنْ «سفر الْخُرُوج» .
[٩]
[سُورَة إِبْرَاهِيم (١٤) : آيَة ٩]
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩)
هَذَا الْكَلَامُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ رَجَعَ بِهِ الْخِطَابُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ، لِأَنَّ الْمُوَجَّهَ إِلَيْهِ الْخِطَابُ هُنَا هُمُ الْكَافِرُونَ الْمَعْنِيُّونَ بِقَوْلِهِ: وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ [سُورَة إِبْرَاهِيم: ٢] ، وَهُمْ مُعْظَمُ الْمَعْنِيِّ مِنَ
النَّاسِ فِي قَوْلِهِ: لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [سُورَة إِبْرَاهِيم: ١] ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ أُجْمِلَ لَهُمُ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [سُورَة إِبْرَاهِيم: ٤] الْآيَةَ، ثُمَّ فُصِّلَ بِأَنْ ضُرِبَ الْمَثَلُ لِلْإِرْسَالِ إِلَيْهِمْ لِغَرَضِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِرْسَالِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِإِخْرَاجِ قَوْمِهِ، وَقُضِيَ حَقُّ ذَلِكَ عَقِبِهِ بِكَلَامٍ جَامِعٍ لِأَحْوَالِ الْأُمَمِ وَرُسُلِهِمْ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَوْصَلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute