للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْنَى: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ يُشَكِّكُونَكَ، وَهَذَا يُنْظَرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى [النَّجْم: ١٢] ، أَيْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُشَكِّكُوكَ فِي حُصُولِ آلَاءِ رَبِّكَ الَّتِي هِيَ نعم النبوءة وَالَّتِي مِنْهَا رُؤْيَته جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. فَالْكَلَامُ مَسُوقٌ لِتَأْيِيسِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الطَّمَعِ فِي الْكَفِّ عَنْهُمْ.

وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَانَ تَتَمارى تَفَاعُلًا مُسْتَعْمَلًا فِي الْمُبَالَغَةِ فِي حُصُولِ الْفِعْلِ، وَلَا يُعْرَفُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ لِلْمِرَاءِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: امْتَرَى، إِذا شكّ.

[٥٦]

[سُورَة النَّجْم (٥٣) : آيَة ٥٦]

هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ أَوْ فَذْلَكَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَى اخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَيْنِ فِي مَرْجِعِ اسْمِ الْإِشَارَةِ فَإِنْ جَعَلَتَ اسْمَ الْإِشَارَةِ رَاجِعًا إِلَى الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لِحُضُورِهِ فِي الْأَذْهَانِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ شَيْءٍ مَحْسُوسٍ حَاضِرٍ بِحَيْثُ يُشَارُ إِلَيْهِ، فَالْكَلَامُ انْتِقَالٌ اقْتِضَابِيٌّ تَنْهِيَةٌ لِمَا قَبْلَهُ وَابْتِدَاءٌ لِمَا بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ عَلَى أُسْلُوبِ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ [إِبْرَاهِيم: ٥٢] .

وَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ بِمُعْظَمِ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَلِذَلِكَ اقْتُصِرَ عَلَى وَصْفِ الْكَلَامِ بِأَنَّهُ نَذِيرٌ، دُونَ أَنْ يَقُولَ: نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الْأَعْرَاف: ١٨٨] .

وَالْإِنْذَارُ بَعْضُهُ صَرِيحٌ مِثْلُ قَوْلِهِ: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا [النَّجْم: ٣١] إِلَخْ، وَبَعْضُهُ تَعْرِيضٌ كَقَوْلِهِ: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى [النَّجْم: ٥٠] وَقَوْلِهِ: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النَّجْم: ٤٢] .

وَإِنْ جَعَلْتَ اسْمَ الْإِشَارَةِ عَائِدًا إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ بِتَأْوِيلِهِ بِالْمَذْكُورِ، أَوْ إِلَى مَا لَمْ يُنَبَّأْ بِهِ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا، ابْتَدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى [النَّجْم: ٣٦] إِلَى هُنَا على كلا التَّأْوِيلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ تَنْزِيلًا لِحُضُورِهِ فِي السَّمْعِ مَنْزِلَةَ حُضُورِهِ فِي الْمُشَاهَدَةِ بِحَيْثُ يُشَارُ إِلَيْهِ.

و «النّذر» حَقِيقَتُهُ الْمُخْبِرُ عَنْ حُدُوثِ حَدَثٍ مُضِرٍّ بِالْمُخْبَرِ (بِالْفَتْحِ) ،